سورة طه
295 - وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى ، وفي النمل : قوله - تبارك وتعالى - : إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون ، وفي القصص : فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون . هذه الآيات تشتمل على ذكر رؤية موسى النار ، وأمره أهله بالمكث ، وإخباره أنه آنس نارا ، وإطماعهم أن يأتيهم بنار يصطلون بها ، أو بخبر يهتدون به إلى الطريق التي ضلوا عنها . لكنه نقص في النمل ذكر رؤيته النار ، وأمر أهله بالمكث ؛ اكتفاء بما تقدم ، وزاد في [ ص: 174 ] القصص : قضاء موسى الأجل المضروب ، وسيره بأهله إلى مصر ؛ لأن الشيء قد يجمل ثم يفصل ، وقد يفصل ثم يجمل ، وفي طه فصل ، وأجمل في النمل ، ثم فصل في القصص وبالغ فيه .
وقوله في طه : أو أجد على النار هدى ، أي : من يخبرني بالطريق فيهديني إليه . وإنما أخر ذكر المخبر فيهما ، وقدمه فيهما مرات لفواصل الآي ، وكرر " لعلي " في القصص لفظا ، وفيهما معنى ؛ لأن " أو " في قوله : أو أجد على النار هدى ، نائب عن " لعلي " ، و سآتيكم تتضمن معنى " لعلي " وفي القصص : أو جذوة من النار ، وفي النمل : بشهاب قبس ، وفي طه : بقبس ؛ لأن الجذوة من النار خشبة في رأسها قبس له شهاب ، فهي في السور الثلاث عبارة عن معبر واحد .
296 - فلما أتاها هنا ، وفي النمل : قوله : فلما جاءها ، وفي القصص : أتاها ؛ لأن أتى وجاء بمعنى واحد ، لكن كثر دور الإتيان في طه نحو : فأتياه ، فلنأتينك ، ثم أتى ، ثم ائتوا ، حيث أتى . ولفظ " جاء " في النمل أكثر ، نحو : فلما جاءتهم ، وجئتك ، فلما جاء سليمان ، وألحق القصص بـ " طه " لقرب ما بينهما .
297 - فرجعناك إلى أمك ، وفي القصص : قوله : فرددناه ؛ لأن الرجع إلى الشيء والرد إليه بمعنى ، والرد على الشيء يقتضي كراهة المردود ، ولفظ الرجع ألطف ، فخص بـ ( طه ) ، وخص القصص بقوله : فرددناه تصديقا لقوله : إنا رادوه إليك .
[ ص: 175 ] 298 - وسلك لكم فيها سبلا ، وفي الزخرف : قوله : وجعل ؛ لأن لفظ السلوك مع السبيل أكثر استعمالا به ، فخص به " طه " ، وخص الزخرف بـ " جعل " ازدواجا للكلام ، وموافقة لما قبله وما بعدها .
299 - إلى فرعون ، وفي الشعراء : قوله : أن ائت القوم الظالمين قوم فرعون ألا يتقون ، وفي القصص : فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه ؛ لأن " طه " هي السابقة ، وفرعون هو الأصل المبعوث إليه ، وقومه تبع له ، وهو كالمذكورين معه ، وفي الشعراء : قوم فرعون ، أي قوم فرعون وفرعون ، فاكتفى بذكره في الإضافة عن ذكره مفردا . ومثله : أغرقنا آل فرعون أي : آل فرعون وفرعون ، وفي القصص : إلى فرعون وملئه فجمع بين الآيتين ، فصار كذكر الجملة بعد التفصيل .
300 - واحلل عقدة من لساني صرح بالعقدة في هذه السورة ؛ لأنها السابقة ، وفي الشعراء : قوله : ولا ينطلق لساني كناية عن العقدة بما يقرب من التصريح ، وفي القصص : وأخي هارون هو أفصح مني لسانا ، فكنى عن العقدة كناية مبهمة ؛ لأن الأول يدل على ذلك .
[ ص: 176 ] 301 - ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون ، وفي القصص : وقوله في الشعراء : إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون ، وليس له في " طه " ذكره ؛ لأن قوله : ويسر لي أمري مشتمل على ذلك وغيره ؛ لأن الله - عز وجل - إذا يسر له أمره فلن يخاف القتل .
302 - واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي صرح بالوزير لأنها الأولى في الذكر ، وكنى عنه في الشعراء حيث قال : قوله : فأرسل إلى هارون ليأتيني ، فيكون لي وزيرا ، وفي القصص : فأرسله معي ردءا يصدقني أي : اجعله لي وزيرا . فكنى عنه بقوله : ردءا لبيان الأول .
303 - فقولا إنا رسولا ربك ، وبعده : قوله : إنا رسول رب العالمين ؛ لأن الرسول مصدر يسمى به ، فحيث وحده حمل على المصدر ، وحيث ثنى حمل على الاسم .
ويجوز أن يقال : حيث وحد حمل على الرسالة ؛ لأنهما أرسلا لشيء واحد ، وحيث ثنى حمل على الشخصين .
وأكثر ما فيه من المتشابه سبق .
304 - أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون بالفاء من غير " من " ، وفي السجدة " 26 " بالواو ، وبعده : " من " ؛ لأن الفاء للتعقيب والاتصال بالأول ، فطال الكلام ، فحسن حذف " من " ، والواو تدل على الاستئناف ، وإثبات " من " مستثقل ، وقد سبق الفرق بين إثباته وحذفه . قوله :