الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومما يقع فيه الإشكال قديما ، وقد روي على وجهين ما حدثنا به أبو القاسم بن منيع ، حدثنا داود بن عمرو الضبي ، حدثنا حفص بن غياث ، عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ، عن أبيه عن جده ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يترك المؤمن مفرجا حتى يضم إلى قبيلة يكون منها"  حفظته عنه [ ص: 161 ] بالجيم . . وحدثنا به الهزاني أيضا ، حدثنا الرياشي ، حدثنا ابن أبي سمينة ، حدثنا حفص بن غياث ، فذكر نحوه بالجيم أيضا . وسمعت أبا عبد الله بن عرفة يقول: يروى هذا الحديث بالجيم والحاء ، فأما الحاء فيقال رجل مفرح ، وهو المثقل بالدين . قال الشاعر :


إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانة وتضمر أخرى أفرحتك الودائع



وهكذا ذكره أبو عبيد أنه يروى مفرحا ومفرجا . وحكى لنا أبو الحسن الأخفش ، عن أحمد بن يحيى ، قال: كان ابن الأعرابي ينكر مفرحا –بالحاء- ويقول: إن البيت الذي فيه "أفرحتك الودائع" مصنوع ، وأنشد لأبي سفيان بن حرب:


ولما تولى الجيش قلت ولم أكن     لأفرجه أبشر بعز ومغنم



يريد أغمه فأثقله ، فقال: الآن صح .

[ ص: 162 ] وأخبرني علي بن سليمان ، عن ثعلب ، عن ابن الأعرابي ، قال: المفرح: الذي لا مال له ، والمفرج: الذي لا عشيرة له وقرأت على ابن دريد ، يقال: مفرج بالجيم إذا كان حميلا لا ولاء له إلى أحد ولا نسب ، وقال الأصمعي: هو بالحاء الذي أفرحه الدين ، أي أثقله ، قال: يقول أن يقضى دينه من بيت المال ولا يترك مدينا ، وأنكر قولهم: مفرج بالجيم . وقال أبو عمرو بن العلاء نحوه .

وحكى أبو عبيد أن الإمام محمد بن الحسن الشيباني قال في مفرج –بالجيم-: إنه القتيل يوجد بأرض فلاة ، لا يكون عند قرية ، فإنه تؤدى ديته من بيت المال ولا يطل دمه ، وقال بعضهم: الذي لا ديوان له .

وأما قوله صلى الله عليه وسلم حتى يضم إلى قبيلة يكون منها ، أي يحالف قوما أو يواليهم ، وينضم إليهم ليمنعوه ويدفعوا عنه ، ولم يرد صلى الله عليه وسلم الدعوة والانتساب وقال الشاعر :

[ ص: 163 ]

إذن لرمت قيس ورائي بالحصى     وما أسلم الجاني لما جر بالأمس



وقد حكى لي [بعضهم ] عن أبي عبيدة ما يؤيد هذا ، قال المفرج: أن يسلم الرجل ولا يوالي أحدا فتكون جنايته على بيت المال لأنه لا عاقلة له فهو مفرج .

التالي السابق


الخدمات العلمية