[ ص: 74 ] ذكر دخول   عبد الرحمن بن معاوية  إلى الأندلس   
قد ذكرنا في سنة اثنتين وتسعين فتح الأندلس  ، وعزل   موسى بن نصير  عنها . 
فلما عزل عنها وسار إلى الشام  استخلف عليها ابنه  عبد العزيز  ، وضبطها وحمى ثغورها ، وافتتح في ولايته مدائن كثيرة ، وكان خيرا فاضلا ، وبقي أميرا إلى سنة سبع وتسعين ، وقيل : ثمان وتسعين ، فقتل بها . وقد تقدم سبب قتله . 
فلما قتل بقي أهل الأندلس   ستة أشهر لا يجمعهم وال ، ثم اتفقوا على  أيوب بن حبيب اللخمي  ، وهو ابن أخت   موسى بن نصير  ، فكان يصلي بهم لصلاحه ، وتحول إلى قرطبة  ، وجعلها دار إمارة في أول سنة تسع وتسعين ، وقيل سنة ثمان وتسعين . 
ثم إن   سليمان بن عبد الملك  استعمل بعده  الحر بن عبد الرحمن الثقفي  ، فقدمها سنة ثمان وتسعين ، فأقام واليا عليها سنتين وتسعة أشهر . 
فلما ولي   عمر بن عبد العزيز  الخلافة استعمل على الأندلس  السمح بن مالك الخولاني  ، وأمره أن يميز أرضها ، ويخرج منها ما كان عنوة ويأخذ منه الخمس ويكتب إليه بصفة الأندلس  ، وكان رأيه إقفال أهلها منها لانقطاعهم عن المسلمين . فقدمها  السمح  سنة مائة في رمضان ، وفعل ما أمره  عمر  ، وقتل عند انصرافه من دار الحرب سنة اثنتين ومائة ، وكان قد بدا  لعمر  في نقل أهلها عنها وتركهم ، ودعا لأهلها . 
ثم وليها بعد  السمح  عنبسة بن سحيم الكلبي  سنة ثلاث ومائة ، وتوفي في شعبان سنة سبع ومائة عند انصرافه من غزوة الإفرنج . 
ثم وليها بعده  يحيى بن سلمى الكلبي  في ذي القعدة سنة سبع ، فبقي عليها واليا سنتين وستة أشهر . ثم دخل الأندلس  حذيفة بن الأبرص الأشجعي  سنة عشر ومائة فبقي واليا عليها ستة أشهر ، ثم عزل . 
ثم وليها  عثمان بن أبي نسعة الخثعمي  ، فقدمها سنة عشر ومائة ، ( وعزل آخر سنة عشر ومائة أيضا ، كانت ولايته خمسة أشهر . 
 [ ص: 75 ] ثم وليها  الهيثم بن عبيد الكناني  ، فقدمها في المحرم سنة إحدى عشرة ومائة ) ، فأقام واليا عليها عشرة أشهر وأياما ثم توفي في ذي الحجة ، فقدم أهل الأندلس   على أنفسهم  محمد بن عبد الله الأشجعي  ، وكانت ولايته شهرين . 
وولي بعده   عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي  في صفر سنة اثنتي عشرة ومائة ، واستشهد في أرض العدو في رمضان سنة أربع عشرة ومائة . 
ثم وليها  عبد الملك بن قطن الفهري  ، فأقام عليها سنتين وعزل . ثم وليها بعده  عقبة بن الحجاج السلولي  ، دخلها سنة ست عشرة ومائة ، فوليها خمس سنين ، وثار أهل الأندلس   به فخلعوه فولوا بعده  عبد الملك بن قطن  ، وهي ولايته الثانية ، ( وقد ذكر بعض مؤرخي الأندلس  أنه توفي فولى أهل الأندلس   عبد الملك     ) . 
ثم وليها  بلج بن بشر القشيري  ، بايعه أصحابه ، فهرب  عبد الملك  ولحق بداره ، وهرب ابناه  قطن  وأمية  فلحق أحدهما بماردة  والآخر بسرقسطة  ، ثم ثارت اليمن  على بلج  وسألوه قتل  عبد الملك بن قطن  ، فلما خشي فسادهم أمر به فقتل وصلب ، وكان عمره تسعين سنة . 
فلما بلغ ابنيه قتله حشدا من ماردة إلى أربونة ، فاجتمع إليهما مائة ألف ، وزحفوا إلى بلج  ومن معه بقرطبة  ، فخرج إليهم بلج فلقيهم فيمن معه من أهل الشام   بقرب قرطبة  فهزمهما ، ورجع إلى قرطبة  فمات بعد أيام يسيرة . 
وكان سبب قدوم بلج  الأندلس  أنه كان مع عمه  كلثوم بن عياض  في وقعة البربر  سنة ثلاث وعشرين ، وقد تقدم ذكرها ، فلما قتل عمه سار إلى الأندلس  ، فأجازه  عبد الملك بن قطن  إليها ، وكان سبب قتله . 
ثم ولى أهل الشام   على الأندلس  مكانه  ثعلبة بن سلامة العاملي  فأقام إلى أن قدم  أبو الخطار  واليا على الأندلس  سنة خمس وعشرين ومائة ، فدان له أهل الأندلس   ، وأقبل إليه  ثعلبة  ،  وابن أبي نسعة  ، وابنا  عبد الملك  ، فآمنهم وأحسن إليهم واستقام أمره ، وكان شجاعا ذا رأي وكرم . 
وكثر أهل الشام   عنده ، فلم تحملهم قرطبة  ، ففرقهم في البلاد ، فأنزل أهل دمشق  إلبيرة  لشبهها بها وسماها دمشق  ، وأنزل أهل حمص   إشبيلية  ، وسماها حمص  ، وأنزل أهل قنسرين  بجيان  ، وسماها قنسرين  ، وأنزل أهل الأردن   برية   [ ص: 76 ] وسماها الأردن  ، وأنزل أهل فلسطين   بشذونة  وسماها فلسطين    . 
وأنزل أهل مصر   بتدمير  وسماها مصر  لشبهها بها ، ثم تعصب اليمانية  ، وكان ذلك سببا لتألب  الصميل بن حاتم  عليه مع مضر  وحربه وخلعه . وقامت هذه الفتنة سنة سبع وعشرين ومائة . 
وكان  الصميل بن حاتم بن شمر بن ذي الجوشن  قد قدم الأندلس  في أمداد الشام  ، فرأس بها ، فأراد  أبو الخطار  أن يضع منه فأمر به يوما وعنده الجند فشتم وأهين ، فخرج وعمامته مائلة ، فقال له بعض الحجاب : ما بال عمامتك مائلة ؟ فقال : إن كان لي قوم فسيقيمونها ، وبعث إلى قومه فشكا إليهم ما لقي . 
فقالوا : نحن لك تبع ، وكتبوا إلى  ثوابة بن سلامة الجذامي  ، وهو من أهل فلسطين   ، فوفد عليهم وأجابهم وتبعهم لخم  وجذام    . 
فبلغ ذلك إلى  أبي الخطار  فسار إليهم ، فقاتلوه فانهزم أصحابه وأسر  أبو الخطار  ، ودخل  ثوابة  قصر قرطبة  وأبو الخطار  في قيوده ، فولي  ثوابة  الأندلس  سنتين ثم توفي ، فأراد أهل اليمن   إعادة  أبي الخطار  ، وامتنعت مضر  ، ورأسهم  الصميل  ، فافترقت الكلمة ، فأقامت الأندلس  أربعة أشهر بغير أمير . ( وقد تقدم أبسط من هذا سنة سبع وعشرين ومائة . 
فلما بقوا بغير أمير ) قدموا  عبد الرحمن بن كثير اللخمي  للأحكام . فلما تفاقم الأمر اتفق رأيهم على  يوسف بن عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة الفهري  ، فوليها  يوسف  سنة تسع وعشرين ، فاستقر الأمر أن يلي سنة ثم يرد الأمر إلى اليمن  فيولوا من أحبوا من قومهم . 
فلما انقضت السنة أقبل أهل اليمن   بأسرهم يريدون أن يولوا رجلا منهم ، فبيتهم  الصميل  فقتل منهم خلقا كثيرا ، فهي وقعة شقندة  المشهورة ، وفيها قتل  أبو الخطار  واقتتلوا بالرماح حتى تقطعت وبالسيوف حتى تكسرت ، ثم تجاذبوا بالشعور ، وكان ذلك سنة ثلاثين ، واجتمع الناس على  يوسف  ولم يعترضه أحد . 
( وقد قيل غير ما ذكرنا ، وقد تقدم ذكره سنة سبع وعشرين ومائة ) . 
ثم توالى القحط على الأندلس  ، وجلا أهلها عنها وتضعضعت إلى سنة ست وثلاثين ومائة ، وفيها اجتمع  تميم بن معبد الفهري  ،  وعامر العبدري  بمدينة سرقسطة  ، وحاربهما  الصميل  ، ثم سار إليهما  يوسف الفهري  فحاربهما فقتلهما ، وبقي  يوسف  على الأندلس   [ ص: 77 ] إلى أن غلب عليها  عبد الرحمن بن معاوية بن هشام     . 
هذا ما ذكرناه من ولاة الأندلس  على الاختصار ، ( وقد تقدم أبسط من هذا متفرقا ، وإنما أوردناه هاهنا متتابعا ليتصل بعض أخبار الأندلس  ببعض لأنها وردت متفرقة ) . ونرجع إلى ذكر عبور  عبد الرحمن بن معاوية بن هشام  إليها . 
وأما سبب مسير  عبد الرحمن  إلى الغرب  ، فإنه يحكى عنه أنه لما ظهرت الدولة العباسية ، وقتل من بني أمية  من قتل ومن شيعتهم ، فر منهم من نجا في الأرض ، وكان   عبد الرحمن بن معاوية  بذات الزيتون  ، ففر منها إلى فلسطين  ، وأقام هو ومولاه  بدر  يتجسس الأخبار . 
فحكي عنه أنه قال : لما أعطينا الأمان ثم نكث بنا بنهر أبي فطرس  ، وأبيحت دماؤنا أتانا الخبر ، وكنت منتبذا من الناس ، فرجعت إلى منزلي آيسا ، ونظرت فيما يصلحني وأهلي ، وخرجت خائفا حتى صرت إلى قرية على الفرات  ذات شجر وغياض ، فبينا أنا ذات يوم بها وولدي  سليمان  يلعب بين يدي ، وهو يومئذ ابن أربع سنين ، خرج عني ثم دخل الصبي من باب البيت باكيا فزعا فتعلق بي ، وجعلت أدفعه وهو يتعلق بي ، فخرجت لأنظر وإذا بالخوف قد نزل بالقرية ، وإذا بالرايات السود منحطة عليها ، وأخ لي حديث السن يقول لي : النجاء النجاء ! فهذه رايات المسودة ! . 
فأخذت دنانير معي ونجوت بنفسي وأخي ، وأعلمت أخواتي بمتوجهي ، فأمرتهن أن يلحقنني مولاي  بدرا  ، وأحاطت الخيل بالقرية ، فلم يجدوا لي أثرا ، فأتيت رجلا من معارفي وأمرته فاشترى لي دواب وما يصلحني ، فدل علي عبد له العامل ، فأقبل في خيله يطلبني ، فخرجنا على أرجلنا هرابا والخيل تبصرنا ، فدخلنا في بساتين على الفرات  ، فسبقنا الخيل إلى الفرات  فسبحنا . 
فأما أنا فنجوت ، والخيل ينادوننا بالأمان ولا أرجع . وأما أخي فإنه عجز عن السباحة في نصف الفرات  فرجع إليهم بالأمان وأخذوه فقتلوه وأنا أنظر إليه ، وهو ابن ثلاث عشرة سنة ، فاحتملت فيه ثكلا ، ومضيت لوجهي ، فتواريت في غيضة أشبة ، حتى انقطع الطلب عني ، وخرجت فقصدت المغرب  فبلغت إفريقية    . 
ثم إن أخته أم الأصبغ  ألحقته  بدرا  مولاه ، ومعه نفقة له وجوهر ، فلما بلغ إفريقية  لج  عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة الفهري  ، قيل هو والد  يوسف  أمير الأندلس  ، وكان  عبد الرحمن  عامل إفريقية  في طلبه ، واشتد عليه ، فهرب منه فأتى  مكناسة  ، وهم قبيل من البربر  ، فلقي عندهم شدة يطول ذكرها ، ثم هرب من عندهم فأتى نفزاوة  ، وهم أخواله ،  وبدر  معه . 
 [ ص: 78 ] وقيل : أتى قوما من الزناتيين ، فأحسنوا قبوله واطمأن فيهم ، وأخذ في تدبير المكاتبة إلى الأمويين  من أهل الأندلس   يعلمهم بقدومه ويدعوهم إلى نفسه ، ووجه  بدرا  مولاه إليهم ، وأمير الأندلس  حينئذ  يوسف بن عبد الرحمن الفهري     . 
فسار  بدر  إليهم وأعلمهم حال  عبد الرحمن  ودعاهم إليه ، فأجابوه ووجهوا له مركبا فيه  ثمامة بن علقمة  ،  ووهب بن الأصفر  ،  وشاكر بن أبي الأشمط  ، فوصلوا إليه وأبلغوه طاعتهم له ، وأخذوه ورجعوا إلى الأندلس  ، فأرسى في المنكب في شهر ربيع الأول سنة ثمان وثلاثين ومائة ، فأتاه جماعة من رؤسائهم من أهل إشبيلية   ، وكانت أيضا نفوس أهل اليمن   حنقة على  الصميل  ويوسف الفهري  ، فأتوه . 
ثم انتقل إلى كورة رية  فبايعه عاملها  عيسى بن مساور     . ثم أتى شذونة  فبايعه  غياث بن علقمة اللخمي     . ثم أتى  مورور  فبايعه  إبراهيم بن شجرة  عاملها . ثم أتى إشبيلية  فبايعه  أبو الصباح يحيى بن يحيى  ، ونهد إلى قرطبة    . 
فبلغ خبره إلى  يوسف  وكان غائبا عن قرطبة  بنواحي طليطلة  ، فأتاه الخبر وهو راجع إلى قرطبة  ، فسار  عبد الرحمن  نحو قرطبة    . 
فلما أتى قرطبة  تراسل هو  ويوسف  في الصلح ، فخادعه نحو يومين ، أحدهما يوم عرفة ، ولم يشك أحد من أصحاب  يوسف  أن الصلح قد أبرم ، وأقبل على إعداد الطعام ليأكله الناس على السماط يوم الأضحى ،  وعبد الرحمن  مرتب خيله ورجله ، وعبر النهر في أصحابه ليلا ، ونشب القتال ليلة الأضحى ، وصبر الفريقان إلى أن ارتفع النهار ، وركب  عبد الرحمن  على بغل لئلا يظن الناس أنه يهرب ، فلما رأوه كذلك سكنت نفوسهم ، وأسرع القتل في أصحاب  يوسف  وانهزم ، وبقي  الصميل  يقاتل مع عصابة من عشيرته ، ثم انهزموا ، فظفر  عبد الرحمن  ، ولما انهزم  يوسف     ( أتى ماردة  ، وأتى  عبد الرحمن  قرطبة  فأخرج حشم  يوسف     ) من القصر على عودة ودخله بعد ذلك . 
ثم سار في طلب  يوسف  ، فلما أحس به  يوسف  خالفه إلى قرطبة  فدخلها وملك قصرها ، فأخذ جميع أهله وماله ولحق بمدينة إلبيرة  ، وكان  الصميل  لحق بمدينة شوذر    . 
وورد  عبد الرحمن  الخبر فرجع إلى قرطبة  طمعا في لحاقه بها ، فلما لم يجده عزم على النهوض إليه ، ( فسار إلى إلبيرة  ، وكان  الصميل  قد لحق  بيوسف  وتجمع لهما هناك جمع ) ، فتراسلوا في الصلح ، فاصطلحوا على أن ينزل  يوسف  بأمان هو ومن معه ، وأن   [ ص: 79 ] يسكن مع  عبد الرحمن  بقرطبة  ، ورهنه  يوسف  ابنيه :  أبا الأسود محمدا  ،  وعبد الرحمن     . 
وسار  يوسف  مع  عبد الرحمن  ، فلما دخل قرطبة  تمثل : 
فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا إذا نحن فيهم سوقة نتنصف . 
واستقر  عبد الرحمن  بقرطبة  ، وبنى القصر والمسجد الجامع ، وأنفق فيه ثمانين ألف دينار ، ومات قبل تمامه ، وبنى مساجد الجماعات ، ووافاه جماعة من أهل بيته ، وكان يدعو  للمنصور     . 
وقد ذكر  أبو جعفر  أن دخول  عبد الرحمن  كان سنة تسع وثلاثين ، وقيل : سنة ثمان وثلاثين ، على ما ذكرنا . 
وهذا القدر كاف في ذكر دخوله الأندلس  لئلا نخرج عن الذي قصدنا له من الاختصار . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					