[ ص: 387 ] 
488 
ثم دخلت سنة ثمان وثمانين وأربعمائة 
ذكر دخول جمع من الترك  إفريقية  وما كان منهم  
في هذه السنة غدر  شاهملك التركي  بيحيى بن تميم بن المعز بن باديس  ، وقبض عليه . 
وكان  شاهملك  هذا من أولاد بعض الأمراء الأتراك  ببلاد المشرق ، فناله في بلده أمر اقتضى خروجه منه ، فسار إلى مصر  في مائة فارس ، فأكرمه الأفضل أمير الجيوش ، وأعطاه إقطاعا ومالا ، ثم بلغه عنه أسباب أوجبت إخراجه من مصر  ، فخرج هو ، وأصحابه هاربين ، فاحتالوا حتى أخذوا سلاحا ، وخيلا ، وتوجهوا إلى المغرب ، فوصلوا إلى طرابلس  الغرب ، وأهل البلد كارهون لواليها ، فأدخلوهم البلد ، وأخرجوا الوالي ، وصار  شاهملك  أمير البلد . 
فسمع  تميم  الخبر ، فأرسل العساكر إليها ، فحصروها ، وضيقوا على الترك ففتحوها ، ووصل  شاهملك  معهم إلى المهدية ، فسر به  تميم  وبمن معه ، وقال : ولد لي مائة ولد أنتفع بهم ، وكانوا لا يخطئ لهم سهم . 
فلم تطل الأيام حتى جرى منهم أمر غير  تميما  عليهم ، فعلم  شاهملك  ذلك ، وكان داهيا ، خبيثا ، فخرج  يحيى بن تميم  إلى الصيد في جماعة من أعيان أصحابه نحو مائة فارس ، ومعه  شاهملك  ، وكان أبوه  تميم  قد تقدم إليه أن لا يقرب  شاهملك  ، فلم يقبل . فلما أبعدوا في طلب الصيد غدر به  شاهملك  فقبض عليه ، وسار به ، وبمن أخذ معه من أصحابه إلى مدينة سفاقس    . 
وبلغ الخبر  تميما  ، فركب ، وسير العساكر في أثرهم ، فلم يدركوهم ، ووصل   [ ص: 388 ] شاهملك  بيحيى بن تميم  إلى سفاقس  ، فركب صاحبها ، واسمه  حمو  ، وكان قد خالف على  تميم  ، ولقي  يحيى  ، ومشى في ركابه راجلا ، وقبل يده ، وعظمه ، واعترف له بالعبودية ، فأقام عنده أياما ، ولم يذكره أبوه بكلمة ، وكان قد جعله ولي عهده ، فلما أخذ أقام أبوه مقامه ابنا له آخر اسمه  المثنى     . 
ثم إن صاحب سفاقس  خاف  يحيى  على نفسه أن يثور معه الجند ، وأهل البلد ، ويملكوه عليهم ، فأرسل إلى  تميم  كتابا يسأله في إنفاذ الأتراك  ، وأولادهم إليه ليرسل ابنه  يحيى  ، ففعل ذلك بعد امتناع ، وقدم  يحيى  ، فحجبه أبوه عنه مدة ، ثم أعاده إلى حاله ، ورضي عنه ، ثم جهز  تميم  عسكرا إلى سفاقس  ، ويحيى معهم ، فساروا إليها ، وحصروها ، برا وبحرا ، وضيقوا على الأتراك  بها ، وأقاموا عليها شهرين ، واستولوا عليها ، ( وفارقها الأتراك  إلى قابس ) . 
وكان  تميم  لما رضي عن ابنه  يحيى  عظم ذلك على ابنه الآخر  المثنى  ، وداخله الحسد ، فلم يملك نفسه ، فنقل عنه إلى أبيه ما غير قلبه عليه ، فأمر بإخراجه من المهدية  بأهله ، وأصحابه ، فركب في البحر ومضى إلى سفاقس  ، فلم يمكنه عامله من الدخول إليها ، وقصد مدينة قابس  ، وبها أمير يقال له  مكين بن كامل الدهسماني  ، فأنزله ، وأكرمه ، فحسن له  المثنى  الخروج معه إلى سفاقس  ، والمهدية  ، وأطمعه فيهما ، وضمن الإنفاق على الجند من ماله ، فجمع مكين من يمكنه جمعه ، وسار إلى سفاقس  ، ومعهما  شاهملك  التركي وأصحابه ، فنزلوا على سفاقس  وقاتلوها . 
وسمع  تميم  ، فجرد إليها جندا ، فلما علم  المثنى  ومن معه أنهم لا طاقة لهم بها ساروا عنها إلى المهدية  ، فنزلوا عليها ، وقاتلوها ، وكان الذي يتولى القتال في المهدية  يحيى بن تميم  ، وظهرت منه شهامة ، وشجاعة ، وحزم ، وحسن تدبير ، فلم يبلغ أولئك منها غرضا ، فعادوا خائبين ، وقد تلف ما كان مع  المثنى  من مال ، وغيره ، وعظم أمر  يحيى  ، وصار هو المشار إليه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					