[ ص: 223 ]   ( 551 ) 
ثم دخلت سنة إحدى وخمسين وخمسمائة 
ذكر عصيان الجزائر  وإفريقية  على ملك الفرنج  بصقلية  وما كان منهم  
قد ذكرنا سنة ثمان وأربعين وخمسمائة موت رجار ملك صقلية  وملك ولده  غليالم  ، وأنه كان فاسد التدبير ، فخرج من حكمه عدة من حصون صقلية    . 
فلما كان هذه السنة قوي طمع الناس فيه ، فخرج عن طاعته جزيرة جربة  وجزيرة قرقنة  ، وأظهروا الخلاف عليه ، وخالف عليه أهل إفريقية   ، فأول من أظهر الخلاف عليه  عمر بن أبي الحسين الفرياني  بمدينة سفاقس  ، وكان  رجار  قد استعمل عليها ، لما فتحها أباه  أبا الحسن  ، وكان من العلماء الصالحين ، فأظهر العجز والضعف وقال : استعمل ولدي ; فاستعمله ، وأخذ أباه رهينة إلى صقلية    . 
فلما أراد المسير إليها قال لولده  عمر     : إنني كبير السن ، وقد قارب أجلي ، فمتى أمكنتك الفرصة في الخلاف على العدو فافعل ، ولا تراقبهم ، ولا تنظر في أنني أقتل واحسب أني قد مت ; فلما وجد هذه الفرصة دعا أهل المدينة إلى الخلاف وقال : يطلع جماعة منكم إلى السور ، وجماعة يقصدون مساكن الفرنج  والنصارى جميعهم ، ويقتلونهم كلهم . فقالوا له : إن سيدنا الشيخ والدك نخاف عليه . قال : هو أمرني بهذا ، وإذا قتل بالشيخ ألوف من الأعداء فما مات ; فلم تطلع الشمس حتى قتلوا   [ ص: 224 ] الفرنج  عن آخرهم ، وكان ذلك أول سنة إحدى وخمسين وخمسمائة . 
ثم اتبعه  أبو محمد بن مطروح  بطرابلس  وبعدهما  محمد بن رشيد  بقابس  ، وسار عسكر  عبد المؤمن  إلى بونة  فملكها وخرج جميع إفريقية  عن حكم الفرنج  ما عدا المهدية  وسوسة    . 
وأرسل  عمر بن [ أبي ] الحسين  إلى زويلة  ، وهي مدينة بينها وبين المهدية  نحو ميدان ، يحرضهم على الوثوب على من معهم فيها من النصارى  ، ففعلوا ذلك ، وقدم عرب البلاد إلى زويلة  ، فأعانوا أهلها على من بالمهدية  من الفرنج  ، وقطعوا الميرة عن المهدية    . 
فلما اتصل الخبر  بغليالم  ملك صقلية  أحضر  أبا الحسين  وعرفه ما عمل ابنه ، فأمره أن يكتب إليه ينهاه عن ذلك ، ويأمره بالعود إلى طاعته ، ويخوفه عاقبة فعله ، فقال : من قدم على هذا لا يرجع بكتاب ، فأرسل ملك صقلية  إليه رسولا يتهدده ، ويأمره بترك ما ارتكبه ، فلم يمكنه  عمر  من دخول البلد يومه ذلك ، فلما كان الغد خرج أهل البلد جميعهم ومعهم جنازة ، والرسول يشاهدهم ، فدفنوها وعادوا ، وأرسل  عمر  إلى الرسول يقول له : هذا أبي قد دفنته ، وقد جلست للعزاء به ، فاصنعوا به ما أردتم . 
فعاد الرسول إلى  غليالم  فأخبره بما صنع  عمر بن أبي الحسين  ، فأخذ أباه وصلبه ، فلم يزل يذكر الله تعالى حتى مات . 
وأما أهل زويلة   فإنهم كثر جمعهم بالعرب وأهل سفاقس   وغيرهم ، فحصروا المهدية  وضيقوا عليها ، وكانت الأقوات بالمهدية  قليلة ، فسير إليهم صاحب صقلية  عشرين شينيا فيها الرجال والسلاح ، فدخلوا البلد ، وأرسلوا إلى العرب وبذلوا   [ ص: 225 ] لهم مالا لينهزموا ، وخرجوا من الغد ، فاقتتلوا هم وأهل زويلة   ، فانهزمت العرب ، وبقي أهل زويلة   وأهل سفاقس   يقاتلون الفرنج  بظاهر البلد ، وأحاط بهم الفرنج  ، فانهزم أهل سفاقس   وركبوا في البحر فنجوا ، وبقي أهل زويلة   ، فحمل عليهم الفرنج  فانهزموا إلى زويلة  ، فوجدوا أبوابها مغلقة ، فقاتلوا تحت السور ، وصبروا حتى قتل أكثرهم ولم ينج إلا القليل فتفرقوا ، ومضى بعضهم إلى  عبد المؤمن     . 
فلما قتلوا هرب من بها من الحرم والصبيان والشيوخ في البر ، ولم يعرجوا على شيء من أموالهم ، ودخل الفرنج  زويلة  فقتلوا من وجدوا فيها من النساء والأطفال ، ونهبوا الأموال ، واستقر الفرنج  بالمهدية  إلى أن أخذها منهم  عبد المؤمن  على ما نذكره إن شاء الله تعالى . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					