[ ص: 253 ] 255
ثم دخلت سنة خمس وخمسين ومائتين
ذكر على يعقوب بن الليث الصفار كرمان استيلاء
وفيها استولى على يعقوب بن الليث الصفار كرمان ، وسبب ذلك أن علي بن الحسين بن شبل كان على فارس ، فكتب إلى المعتز يطلب كرمان ، ويذكر عجز الطاهرية ، وأن يعقوب قد غلبهم على سجستان ، وكان علي بن الحسين قد تباطأ بحمل خراج فارس ، فكتب إليه المعتز بولاية كرمان ، وكتب إلى يعقوب بن الليث بولايتها أيضا ، يلتمس إغراء كل واحد منها بصاحبه ليسقط مؤونة الهالك عنه ، وينفرد بالآخر .
وكان كل واحد منها يظهر طاعة لا حقيقة لها ، والمعتز يعلم ذلك منها ، فأرسل علي بن الحسين طوق بن المغلس إلى كرمان ، وسار يعقوب إليها ، فسبقه طوق واستولى عليها ، وأقبل يعقوب حتى بقي بينه وبين كرمان مرحلة ، فأقام بها شهرين لا يتقدم إلى طوق ، ولا طوق يخرج إليه ، فلما طال ذلك عليه أظهر الارتحال إلى سجستان ، فارتحل مرحلتين ، وبلغ طوقا ارتحاله فظن أنه قد بدا له في حربه ، وترك كرمان ، فوضع آلة الحرب ، وقعد للأكل والشرب والملاهي .
واتصل بيعقوب إقبال طوق على الشرب ، فكر راجعا ، فطوى المرحلتين في يوم واحد ، فلم يشعر طوق إلا بغبرة عسكره ، فقال : ما هذا ؟ فقيل : غبرة المواشي ، فلم يكن بأسرع من موافاة يعقوب ، فأحاط به وأصحابه ، ( فذهب أصحابه ) يريدون المناهضة والدفع عن أنفسهم ، فقال يعقوب لأصحابه : أفرجوا للقوم ! فمروا هاربين ، وخلوا كل ما لهم ، وأسر يعقوب طوقا .
[ ص: 254 ] وكان علي بن الحسين قد سير مع طوق في صناديق قيودا ليقيد بها من يأخذه من أصحاب يعقوب ، وفي صناديق أطوقة وأسورة ليعطيها أهل البلاء من أصحاب نفسه ، فلما غنم يعقوب عسكرهم رأى ذلك ، فقال : ما هذا يا طوق ؟ فأخبره ، فأخذ الأطوقة والأسورة ، فأعطاها أصحابه ، وأخذ القيود والأغلال ، فقيد بها أصحاب علي ، ولما أخرج يد طوق ليضع فيها الغل رآها يعقوب وعليها عصابة ، فسأله عنها ، فقال : أصابتني حرارة ففصدتها . فأمر بنزع خف نفسه ، فتساقط منه كسر خبز يابسة ، فقال : يا طوق ! هذا خفي لم أنزعه منذ شهرين من رجلي ، وخبزي في خفي منه آكل ، وأنت جالس في الشرب ؟ ثم دخل كرمان وملكها مع سجستان .