[ ص: 333 ]   563 
ثم دخلت سنة ثلاث وستين وخمسمائة 
ذكر فراق  زين الدين  الموصل  وتحكم  قطب الدين  في البلاد  
في هذه السنة فارق  زين الدين علي بن بكتكين  ، والنائب عن   قطب الدين مودود بن زنكي  ، صاحب الموصل  ، خدمة صاحبه بالموصل  ، وسار إلى إربل  ، وكان هو الحاكم في الدولة ، وأكثر البلاد بيده ، منها إربل  ، وفيها بيته وأولاده وخزانته ، ومنها شهرزور  وجميع القلاع التي معها ، وجميع بلد الهكارية وقلاعه ، منها العمادية  وغيرها ، وبلد الحميدية  ، وتكريت  وسنجار  وحران  ، وقلعة الموصل  هو بها ، وكان قد أصابه طرش وعمى أيضا ، فلما عزم على مفارقة الموصل  إلى بيته بإربل  سلم جميع ما كان بيده من البلاد إلى   قطب الدين مودود  ، وبقي معه إربل  حسب . 
وكان شجاعا ، عاقلا ، عادلا ، حسن السيرة ، سليم القلب ، ميمون النقيبة ، لم ينهزم من حرب قط ، وكان كريما كثير العطاء للجند وغيرهم ، مدحه   الحيص بيص  بقصيدة ، فلما أراد أن ينشده قال : أنا لا أعرف ما يقول ، ولكني أعلم أنه يريد شيئا ، فأمر له بخمسمائة دينار وفرس وخلعة وثياب مجموع ذلك ألف دينار ، ولم يزل بإربل  إلى أن مات بها بهذه السنة . 
ولما فارق  زين الدين  قلعة الموصل  سلمها  قطب الدين  إلى  فخر الدين عبد المسيح  وحكمه في البلاد ، فعمر القلعة ، وكانت خرابا لأن  زين الدين  كان قليل الالتفات إلى العمارة ، وسار  عبد المسيح  سيرة سديدة وسياسة عظيمة ، وهو خصي أبيض من مماليك   زنكي أتابك عماد الدين     . 
 [ ص: 334 ] ذكر الحرب بين  البهلوان  وصاحب مراغة   
في هذه السنة أرسل  آقنسقر الأحمديلي  ، صاحب مراغة  ، إلى بغداد  يسأل أن يخطب للملك الذي هو عنده ، وهو ولد  السلطان محمد شاه  ، ويبذل أنه لا يطأ أرض العراق  ، ولا يطلب شيئا غير ذلك ، وبذل مالا يحمله إذا أجيب إلى ما التمسه ، فأجيب بتطييب قلبه . 
وبلغ الخبر  إيلدكز  صاحب البلاد ، فساءه ذلك ، وجهز عسكرا كثيفا ، وجعل المقدم عليهم ابنه  البهلوان  ، وسيرهم إلى  آقنسقر  ، فوقعت بينهم حرب أجلت عن هزيمة  آقنسقر  وتحصنه بمراغة    . ونازله  البهلوان  بها وحصره وضيق عليه . ثم ترددت الرسل بينهم ، فاصطلحوا ، وعاد  البهلوان  إلى أبيه بهمذان    . 
ذكر عدة حوادث 
في هذه السنة استوزر  الخليفة المستنجد بالله   شرف الدين أبا جعفر أحمد بن محمد بن سعيد المعروف بابن البلدي  ، وكان ناظرا بواسط  أبان في ولايتها عن كفاية عظيمة ، فأحضره الخليفة واستوزره ، وكان  عضد الدين أبو الفرج ابن رئيس الرؤساء  قد تحكم تحكما عظيما ، فتقدم الخليفة إلى  ابن البلدي  بكف يده وأيدي أهله وأصحابه ، ففعل ذلك ، ووكل  بتاج الدين أخي أستاذ الدار  ، وطالبه بحساب نهر الملك ، لأنه كان يتولاه من أيام  المقتفي  ، وكذلك فعل بغيره ، فحصل بذلك أموالا جمة ، وخافه  أستاذ الدار  على نفسه ، فحمل مالا كثيرا . 
  [ الوفيات ] 
وفي هذه السنة توفي  عبد الكريم بن محمد بن منصور أبو سعد بن أبي بكر بن أبي المظفر السمعاني المروزي  ، الفقيه الشافعي  ، وكان مكثرا من سماع الحديث ، سافر في طلبه ، وسمع ما لم يسمعه غيره ، ورحل إلى ما وراء النهر وخراسان  دفعات ، ودخل إلى بلد الجبل  ، وأصفهان  ، والعراق  ، والموصل  ، والجزيرة  ، والشام  ، وغير   [ ص: 335 ] ذلك من البلاد ، وله التصانيف المشهورة منها : " ذيل تاريخ بغداد    " و " تاريخ مدينة مرو    " ، وكتاب " النسب " ، وغير ذلك ، أحسن فيها ما شاء ، وقد جمع مشيخته فزادت عدتهم على أربعة آلاف شيخ ، وقد ذكره   أبو الفرج بن الجوزي  فقطعه . 
فمن جملة قوله فيه أنه كان يأخذ الشيخ ببغداد  ويعبر به إلى فوق نهر عيسى  ، فيقول : حدثني فلان بما وراء النهر ، وهذا بارد جدا ، فإن الرجل سافر إلى ما وراء النهر حقا ، وسمع في عامة بلاده من عامة شيوخه ، فأي حاجة به إلى هذا التلبيس البارد ؟ وإنما ذنبه عند   ابن الجوزي  أنه شافعي ، وله أسوة بغيره ، فإن   ابن الجوزي  لم يبق على أحد إلا مكسري الحنابلة . 
وفيها توفي  قاضي القضاة أبو البركات جعفر بن عبد الواحد الثقفي   في جمادى الآخرة . 
وفيها توفي  يوسف الدمشقي  مدرس النظامية بخوزستان   ، وكان قد سار رسولا إلى شملة . 
وفيها توفي   الشيخ أبو النجيب الشهرزوري الصوفي الفقيه   ، وكان من الصالحين المشهورين ، ودفن ببغداد    . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					