[ ص: 225 ] ذكر ملك  لهراسب  وابنه  بشتاسب  وظهور  زرادشت  
 قد ذكرنا أن  كيخسرو  لما حضرته الوفاة عهد إلى ابن عمه  لهراسب بن كيوخى بن كيكاووس  ، فهو  ابن كيكاووس  ، فلما ملك اتخذ سريرا من ذهب وكلله بأنواع الجواهر وبنيت له بأرض خراسان  مدينة بلخ  وسماها الحسناء ، ودون الدواوين ، وقوى ملكه بانتخابه الجنود ، وعمر الأرض ، وجبى الخراج لأرزاق الجند . 
واشتدت شوكة الترك  في زمانه فنزل مدينة بلخ  لقتالهم ، وكان محمودا عند أهل مملكته شديد القمع لأعدائه المجاورين له ، شديد التفقد لأصحابه ، بعيد الهمة ، عظيم البنيان ، وشق عدة أنهار ، وعمر البلاد وحمل إليه ملوك الهند  ، والروم  ، والمغرب  الخراج ، وكاتبوه بالتمليك هيبة له وحذرا منه . 
ثم إنه تنسك ، وفارق الملك ، واشتغل بالعبادة ، واستخلف ابنه  بشتاسب  في الملك ، وكان ملكه مائة وعشرين سنة ، وملك بعده ابنه بشتاسب ، وفي أيامه ظهر  زرادشت بن سقيمان  الذي ادعى   [ ص: 226 ] النبوة وتبعه المجوس    . 
وكان  زرادشت  فيما يزعم أهل الكتاب من أهل فلسطين   يخدم لبعض تلامذة  إرميا  النبي خاصا به ، فخانه وكذب عليه ، فدعا الله عليه فبرص ولحق ببلاد أذربيجان  وشرع بها دين المجوس    . 
وقيل : إنه من العجم . وصنف كتابا وطاف به الأرض ، فما عرف أحد معناه ، وزعم أنها لغة سماوية خوطب بها ، وسماه : أشتا ، فسار من أذربيجان  إلى فارس  ، فلم يعرفوا ما فيه ولم يقبلوه ، فسار إلى الهند  وعرضه على ملوكها ، ثم أتى الصين  والترك  فلم يقبله أحد وأخرجوه من بلادهم ، وقصد فرغانة  ، فأراد ملكها أن يقتله فهرب منها وقصد  بشتاسب بن لهراسب  ، فأمر بحبسه ، فحبس مدة . 
وشرح  زرادشت  كتابه وسماه : زند ، ومعناه : التفسير ، ثم شرح الزند بكتاب سماه : بازند ، يعني : تفسير التفسير . وفيه علوم مختلفة كالرياضيات ، وأحكام النجوم ، والطب ، وغير ذلك من أخبار القرون الماضية وكتب الأنبياء . وفي كتابه : تمسكوا بما جئتكم به إلى أن يجيئكم صاحب الجمل الأحمر ، يعني محمدا    - صلى الله عليه وسلم - وذلك على ألف سنة وستمائة سنة . وبسبب ذلك وقعت البغضاء بين المجوس  والعرب    . ثم يذكر عند أخبار  سابور ذي الأكتاف  أن من جملة الأسباب الموجبة لغزوه العرب هذا القول ، والله أعلم . 
ثم إن  بشتاسب  أحضر  زرادشت  ، وهو ببلخ  ، فلما قدم عليه شرع له دينه ، فأعجبه واتبعه وقهر الناس على اتباعه ، وقتل منهم خلقا كثيرا حتى قبلوه ودانوا به . 
 [ ص: 227 ] وأما المجوس  فيزعمون أن أصله من أذربيجان  ، وأنه نزل على الملك من سقف إيوانه ، وبيده كبة من نار يلعب بها ولا تحرقه ، وكل من أخذها من يده لم تحرقه ، وأنه اتبعه الملك ، ودان بدينه ، وبنى بيوت النيران في البلاد ، وأشعل من تلك النار في بيوت النيران ، فيزعمون أن النيران التي في بيوت عباداتهم من تلك إلى الآن . 
وكذبوا فإن النار التي للمجوس  طفئت في جميع البيوت لما بعث الله محمدا    - صلى الله عليه وسلم - على ما نذكره إن شاء الله تعالى . 
وكان ظهور  زرادشت  بعد مضي ثلاثين سنة من ملك  بشتاسب  ، وأتاه بكتاب زعم أنه وحي من الله تعالى ، وكتب في جلد اثني عشر ألف بقرة حفرا ونقشا بالذهب ، فجعلهبشتاسب  في موضع بإصطخر  ومنع من تعليمه العامة . 
وكان  بشتاسب  وآباؤه قبله يدينون بدين الصابئة    . وسيرد باقي أخباره . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					