[ ص: 415 ]   571 
ثم دخلت سنة إحدى وسبعين وخمسمائة 
ذكر انهزام  سيف الدين  من  صلاح الدين  
 في هذه السنة ، عاشر شوال ، كان المصاف بين  سيف الدين غازي بن مودود  وبين   صلاح الدين يوسف بن أيوب  بتل السلطان  ، على مرحلة من حلب  ، وعلى طريق حماة  ، وانهزم  سيف الدين     . 
وسبب ذلك أنه لما انهزم أخوه  عز الدين مسعود  من  صلاح الدين  في العام الماضي وصالح  سيف الدين  أخاه  عماد الدين  صاحب سنجار  ، عاد [ إلى ] الموصل  ، وجمع عساكره ، وفرق فيهم الأموال ، واستنجد صاحب حصن كيفا  ، وصاحب ماردين  وغيرهما ، فاجتمعت معه عساكر كثيرة بلغت عدتهم ستة آلاف فارس ، فسار إلى نصيبين  في ربيع الأول من هذه السنة ، وأقام بها فأطال المقام حتى انقضى الشتاء وهو مقيم ، فضجر العسكر ونفذت نفقاتهم ، وصار العود إلى بيوتهم مع الهزيمة أحب إليهم من الظفر لما يتوقعونه ، إن ظفروا ، من طول المقام بالشام  بعد هذه المدة . 
ثم سار إلى حلب  ، فنزل إليه  سعد الدين كمشتكين الخادم  ، مدبر دولة  الملك الصالح  ، ومعه عساكر حلب  ، وكان  صلاح الدين  في قلة من العساكر لأنه كان صالح الفرنج  في المحرم من هذه السنة ، على ما نذكره إن شاء الله ، وقد سير عساكره إلى مصر  ، فأرسل يستدعيها فلو عاجلوه لبلغوا غرضهم منه ، لكنهم تريثوا وتأخروا عنه ، فجاءته عساكره ، فسار من دمشق  إلى ناحية حلب  ليلقى  سيف الدين  ، فالتقى العسكران بتل السلطان  ، وكان  سيف الدين  قد سبقه ، فلما وصل  صلاح [ الدين ]  كان   [ ص: 416 ] وصوله العصر ، وقد تعب هو وأصحابه وعطشوا ، فألقوا نفوسهم إلى الأرض ليس فيهم حركة ، فأشار على  سيف الدين  جماعة بقتالهم وهم على هذا الحال ، فقال  زلفندار     : ما بنا هذه الحاجة إلى قتال هذا الخارجي في هذه الساعة ، غدا بكرة نأخذهم كلهم ، فترك القتال إلى الغد .
فلما أصبحوا اصطفوا للقتال ، فجعل  زلفندار  ، وهو المدبر للعسكر السيفي ، أعلاهم في وهدة من الأرض ، لا يراها إلا من هو بالقرب منها ، فلما لم يرها الناس ظنوا أن السلطان قد انهزم ، فلم يثبتوا وانهزموا ، ولم يلو أخ على أخيه ، ولم يقتل بين الفريقين مع كثرتهم غير رجل واحد ، ووصل  سيف الدين  إلى حلب  ، وترك بها أخاه  عز الدين مسعودا  في جمع من العسكر ، ولم يقم هو ، وعبر الفرات  ، وسار إلى الموصل  ، وهو لا يصدق أنه ينجو . 
وظن أن  صلاح الدين  يعبر الفرات  ويقصده بالموصل  ، فاستشار وزيره  جلال الدين  ومجاهد الدين قايماز  ، في مفارقة الموصل  والاعتصام بقلعة عقر الحميدية  ، فقال له  مجاهد الدين     : أرأيت إن ملكت الموصل  عليك ، أتقدر أن تمتنع ببعض أبراج الفصيل  ؟ فقال : لا . فقال : برج في الفصيل  خير من العقر  ، وما زال الملوك ينهزمون ويعاودون الحرب ، واتفق هو والوزير على شد أزره ، وتقوية قلبه ، فثبت ثم أعرض عن  زلفندار  وعزله واستعمل مكانه على إمارة الجيوش  مجاهد الدين قايماز  ، على ما نذكره إن شاء الله . 
وقد ذكر  العماد الكاتب  في كتاب " البرق الشامي " في تاريخ الدولة الصلاحية أن  سيف الدين  كان عسكره في هذه الوقعة عشرين ألف فارس ، ولم يكن كذلك ، إنما كان على التحقيق يزيد على ستة آلاف فارس أقل من خمسمائة ، فإنني وقفت على   [ ص: 417 ] جريدة العرض ، وترتيب العسكر للمصاف ميمنة وميسرة وقلبا وجاليشية ، وغير ذلك ، وكان المتولي لذلك والكاتب له أخي   مجد الدين أبا السعادات المبارك بن محمد بن عبد الكريم     - رحمه الله - وإنما قصد  العماد  أن يعظم أمر صاحبه بأنه هزم بستة آلاف عشرين ألفا ، والحق أحق أن يتبع ، ثم يا ليت شعري كم هي الموصل  وأعمالها إلى الفرات  حتى يكون لها وفيها عشرون ألف فارس ؟ 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					