[ ص: 531 ] 500
ثم دخلت سنة خمسمائة
ذكر وملك ابنه يوسف بن تاشفين علي وفاة
في هذه السنة توفي أمير المسلمين ، ملك الغرب يوسف بن تاشفين والأندلس ، وكان حسن السيرة ، خيرا ، عادلا ، يميل إلى أهل الدين والعلم ، ويكرمهم ، ويصدر عن رأيهم ، ولما ملك الأندلس ، على ما ذكرناه ، جمع الفقهاء وأحسن إليهم ، فقالوا له : ينبغي أن تكون ولايتك من الخليفة لتجب طاعتك على الكوفة ، فأرسل إلى ، أمير المؤمنين ، رسولا ومعه هدية كثيرة ، وكتب معه كتابا يذكر ما فتح الله من بلاد الخليفة المستظهر بالله الفرنج ، وما اعتمده من نصرة الإسلام ، ويطلب تقليدا بولاية البلاد ، فكتب له تقليد من ديوان الخليفة بما أراد ، ولقب أمير المسلمين ، وسيرت إليه الخلع ، فسر بذلك سرورا كثيرا ، وهو الذي بنى مدينة مراكش للمرابطين ، وبقي على ملكه إلى سنة خمسمائة ، فتوفي وملك بعده البلاد ولده علي بن يوسف ، وتلقب أيضا أمير المسلمين ، فازداد في إكرام العلماء والوقوف عند إشارتهم ، وكان إذا وعظه أحدهم خشع عند استماع الموعظة ، ولان قلبه لها ، وظهر ذلك عليه .
وكان حليما ، كريما ، دينا ، خيرا ، يحب أهل العلم والدين ، ويحكمهم في بلاده ، وكان يحب العفو والصفح عن الذنوب العظام ، فمن ذلك أن ثلاثة نفر اجتمعوا ، فتمنى أحدهم ألف دينار يتجر بها ، وتمنى الآخر عملا يعمل فيه لأمير المسلمين ، وتمنى الآخر زوجته النفزاوية ، وكانت من أحسن النساء ، ولها الحكم في بلاده ، فبلغه الخبر ، فأحضرهم ، وأعطى متمني المال ألف دينار ، واستعمل الآخر ، [ ص: 532 ] وقال للذي تمنى زوجته : يا جاهل ! ما حملك على هذا الذي لا تصل إليه ؟ ثم أرسله إليها ، فتركته في خيمة ثلاثة أيام تحمل إليه في كل يوم طعاما واحدا ، ثم أحضرته وقالت له : ما أكلت هذه الأيام ؟ قال : طعاما واحدا ، فقالت : كل النساء شيء واحد ، وأمرت له بمال وكسوة وأطلقته . يوسف بن تاشفين