[ ص: 249 ] 254
ثم دخلت سنة أربع وخمسين ومائتين
ذكر بغا الشرابي مقتل
وفيها قتل بغا الشرابي ، وكان سبب قتله أنه كان يحرض المعتز على المسير إلى بغداد ، والمعتز يأبى ذلك ويكرهه ، فاتفق أن بغا اشتغل بتزويج ابنته من صالح بن وصيف ، فركب المعتز ومعه إلى أحمد بن إسرائيل كرخ سامرا ، إلى بايكباك التركي ومن معه من المنحرفين عن بغا .
وكان سبب انحرافه عنه أنهما كانا على شراب لهما ، فعربد أحدهما على الآخر ، فاختفى بايكباك من بغا ، فلما أتاه المعتز اجتمع معه أهل الكرخ وأهل الدور ، ثم أقبلوا مع المعتز إلى الجوسق بسامرا ، وبلغ ذلك بغا ، فخرج في غلمانه وهم زهاء خمسمائة إنسان من ولده وقواده ، فسار إلى السن ، فشكا أصحابه بعضهم إلى بعض ما هم فيه من العسف ، وأنهم خرجوا بغير مضارب ولا ما يلبسونه في البرد ، وأنهم في شتاء ، فأتاه بعض أصحابه ، وأخبره بقولهم ، فقال : دعني حتى أنظر الليلة .
فلما جن عليه الليل ركب في زورق ، ومعه خادمان وشيء من المال الذي صحبه ، وكان قد صحبه تسع عشرة بدرة دنانير ، ومائة بدرة دراهم ، ولم يحمل معه سلاحا ، ولا سكينا ، ولا شيئا ، ولم يعلم به أحد من عسكره .
وكان المعتز ، في غيبة بغا ، لا ينام إلا في ثيابه وعليه السلاح ، فسار بغا إلى الجسر في الثلث الأول من الليل ، فبعث الموكلون بالجسر ينظرون من هو ، فصاح بالغلام ، فرجع ، وخرج بغا في البستان الخاقاني ، فلحقه عدة من الموكلين ، فوقف لهم بغا ، وقال : أنا بغا ، إما أن تذهبوا [ ص: 250 ] معي إلى صالح بن وصيف ، وإما أن تصيروا معي حتى أحسن إليكم ، فتوكل به بعضهم ، وأرسلوا إلى المعتز بالخبر ، فأمر بقتله ، فقتل ، وحمل رأسه إلى المعتز ، ونصب بسامرا وببغداذ ، وأحرقت المغاربة جسده ، وكان أراد أن يختفي عند صالح بن وصيف ، فإذا اشتغل الناس بالعيد وكان قد قرب خرج هو وصالح ( ووثبوا بالمعتز ) .
ذكر ابتداء حال أحمد بن طولون
كانت ديار مصر قد أقطعها بايكباك ، وهو من أكابر قواد الأتراك ، وكان مقيما بالحضرة ، واستخلف بها من ينوب عنه بها .
وكان طولون والد أيضا من أحمد بن طولون الأتراك ، وقد نشأ هو بعد والده على طريقة مستقيمة وسيرة حسنة ، فالتمس بايكباك من يستخلفه بمصر ، فأشير عليه بأحمد بن طولون لما ظهر عنه من حسن السيرة ، فولاه وسيره إليها .
وكان بها ابن المدبر على الخراج ، وقد تحكم في البلد ، فلما قدمها أحمد كف يد ابن المدبر ، واستولى على البلد ، وكان بايكباك قد استعمل على أحمد بن طولون مصر وحدها سوى باقي الأعمال كالإسكندرية وغيرها ، فلما قتل المهتدي بايكباك وصارت مصر لياركوج التركي وكان بينه وبين مودة متأكدة ، استعمله على ديار أحمد بن طولون مصر جميعها ، فقوي أمره ، وعلا شأنه ، ودامت أيامه ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .
ذكر مساور الخارجي وبين عسكر الموصل وقعة بين
كان مساور بن عبد الحميد قد استولى على أكثر أعمال الموصل وقوي أمره ، فجمع له الحسن بن أيوب بن أحمد بن عمر بن الخطاب العدوي التغلبي - وكان خليفة أبيه بالموصل - عسكرا كثيرا منهم حمدان بن حمدون جد الأمراء الحمدانية ، وغيره ، وسار إلى مساور وعبر إليه نهر الزاب ، فتأخر عنه مساور عن موضعه ، ونزل بموضع يقال له وادي الذيات ، وهو واد [ ص: 251 ] عميق ، فسار الحسن في طلبه ، فالتقوا في جمادى الأولى ، واقتتلوا ، واشتد القتال ، فانهزم عسكر الموصل ، وكثر القتل فيهم ، وسقط كثير منهم في الوادي ، فهلك فيه أكثر من القتلى ، ونجا الحسن فوصل إلى حزة من أعمال إربل اليوم ، ونجا محمد بن علي بن السيد ، فظن الخوارج أنه الحسن فتبعوه ، وكان فارسا شجاعا فقاتلهم فقتل ، واشتد أمر مساور وعظم شأنه وخافه الناس .
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة أبو أحمد بن الرشيد ، وهو عم الواثق والمتوكل ، وعم توفي أبي المنتصر والمستعين والمعتز ، وكان معه من الخلفاء إخوته الأمين ، والمأمون ، والمعتصم ، وابنا أخيه الواثق والمتوكل ابنا المعتصم ، وأبناء ابني أخيه ، وهم المنتصر ، والمستعين ، والمعتز .
وفيها في جمادى الآخرة علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، عليه السلام توفي بسامرا ، وهو أحد من يعتقد الإمامية إمامته ، ( وصلى عليه ، وكان مولده سنة اثنتي عشرة ومائتين ) . أبو أحمد بن المتوكل
وفيها عقد صالح بن وصيف لديوداد على ديار مصر وقنسرين والعواصم .
وفيها أوقع مفلح بأهل قم ، فقتل منهم مقتلة عظيمة .
( وفيها عاود أهل ماردة من بلاد الأندلس الخلاف على محمد بن عبد الرحمن ، صاحب الأندلس ، وسبب ذلك أنهم خالفوا قديما على أبيه ، فظفر بهم ، وتفرق كثير من أهلها ، فلما كان الآن تجمع إليها من كان فارقها ، فعادوا إلى الخلاف والعصيان ، فسار محمد إليهم ، وحصرهم ، وضيق عليهم ، فانقادوا إلى التسليم والطاعة ، فنقلهم وأموالهم إلى قرطبة ، وهدم سور ماردة ، وحصن بها الموضع الذي كان يسكنه العمال دون غيرهم .
[ ص: 252 ] وفيها هلك أردون بن ردمير صاحب جليقية من الأندلس ، وولي مكانه أدفونش ، وهو ابن اثنتي عشرة سنة .
وفيها انكسف القمر كسوفا كليا لم يبق منه شيء ظاهر .
وفيها كان ببلاد الأندلس قحط شديد ، تتابع عليهم من سنة إحدى وخمسين [ ومائتين ] إلى سنة خمس وخمسين [ ومائتين ] ، وكشف الله عنهم ) .
وفيها وصل دلف بن عبد العزيز بن أبي دلف العجلي إلى الأهواز وجنديسابور وتستر ، فجبى بها مائتي ألف دينار ، ثم انصرف ، وكان والده أمره بذلك .
وفي رمضان سار نوشرى إلى مساور الشاري ، فلقيه فهزمه ، وقتل من أصحابه جماعة كثيرة .
وحج بالناس علي بن الحسين بن إسماعيل بن عباس بن محمد .
[ الوفيات ]
( وفيها أبو الوليد بن عبد الملك بن قطن النحوي القيرواني بها ، وكان إماما في النحو واللغة ، وإماما بالعربية ، قيل : مات سنة خمس وخمسين [ ومائتين ] وهو أصح ) . توفي