[ ص: 607 ]   509 
ثم دخلت سنة تسع وخمسمائة ذكر انهزام عسكر السلطان من الفرنج   
قد ذكرنا ما كان من عصيان   إيلغازي  وطغتكين  على السلطان ، وقوة الفرنج  ، فلما اتصل ذلك بالسلطان  محمد  جهز عسكرا كثيرا ، وجعل مقدمهم الأمير  برسق بن برسق  ، صاحب همذان  ، ومعه الأمير جيوش بك والأمير  كيدغدي  ، وعساكر الموصل  والجزيرة  ، وأمرهم بالبداية بقتال   إيلغازي  وطغتكين  ، فإذا فرغوا منها قصدوا بلاد الفرنج  ، وقاتلوهم ، وحصروا بلادهم . 
فساروا في رمضان من سنة ثمان وخمسمائة ، وكان عسكرا كثير العدة ، وعبروا الفرات  ، آخر السنة ، عند الرقة ، فلما قاربوا حلب  راسلوا المتولي لأمرها  لؤلؤا الخادم  ، ومقدم عسكرها المعروف بشمس الخواص ، يأمرونهما بتسليم حلب  ، وعرضوا عليهما كتب السلطان بذلك ، فغالطا في الجواب ، وأرسلا إلى   إيلغازي  وطغتكين  يستنجدانهما ، فسار إليهم في ألفي فارس ، ودخلا حلب  ، فامتنع من بها حينئذ عن عسكر السلطان ، وأظهروا العصيان . 
فسار الأمير  برسق بن برسق  إلى مدينة حماة  ، وهي في طاعة   طغتكين  ، وبها ثقله ، فحصرها ، وفتحها عنوة ، ونهبها ثلاثة أيام ، وسلمها إلى الأمير  قرجان  ، صاحب حمص    . 
وكان السلطان قد أمر أن يسلم إليه كل بلد يفتحونه ، فلما رأى الأمراء ذلك فشلوا وضعفت نياتهم في القتال ، بحيث تؤخذ البلاد وتسلم إلى  قرجان  ، فلما سلموا   [ ص: 608 ] حماة  إلى  قرجان  سلم إليهم  إياز بن إيلغازي  ، وكان قد سار   إيلغازي  ،  وطغتكين  ، وشمس الخواص ، إلى أنطاكية  واستجاروا بصاحبها روجيل ، وسألوه أن يساعدهم على حفظ مدينة حماة  ولم يكن بلغهم فتحها . 
ووصل إليهم بأنطاكية  بغدوين  ، صاحب القدس  ، وصاحب طرابلس  ، وغيرهما من شياطين الفرنج  ، واتفق رأيهم على ترك اللقاء لكثرة المسلمين ، وقالوا إنهم عند هجوم الشتاء يتفرقون ، واجتمعوا بقلعة أفامية  ، وأقاموا نحو شهرين ، فلما انتصف أيلول ، ورأوا عزم المسلمين على المقام ، تفرقوا فعاد   إيلغازي  إلى ماردين  ،  وطغتكين  إلى دمشق  ، والفرنج  إلى بلادهم . 
وكانت أفامية  وكفرطاب  للفرنج ، فقصد المسلمون كفرطاب  وحصروها ، فلما اشتد الحصر على الفرنج  ، ورأوا الهلاك ، قتلوا أولادهم ونساءهم وأحرقوا أموالهم ، ودخل المسلمون البلد عنوة وقهرا ، وأسروا صاحبه ، وقتلوا من بقي فيه من الفرنج  ، وساروا إلى قلعة أفامية  ، فرأوها حصينة ، فعادوا عنها إلى المعرة  ، وهي للفرنج أيضا ، وفارقهم الأمير  جيوش بك  إلى وادي بزاعة فملكه . 
وسارت العساكر عن المعرة  إلى حلب  ، وتقدمهم ثقلهم ، ودوابهم ، على جاري العادة ، والعساكر في أثره متلاحقة ، وهم آمنون لا يظنون أحدا يقدم على القرب منهم . 
وكان  روجيل  ، صاحب أنطاكية  ، لما بلغه حصر كفرطاب ، سار في خمسمائة فارس وألفي راجل للمنع ، فوصل إلى المكان الذي ضربت فيه خيام المسلمين ، على علم بها ، فرآها خالية من الرجال المقاتلة ; لأنهم لم يصلوا إليها ، فنهب جميع ما هناك ، وقتل كثيرا من السوقية ، وغلمان العسكر ، ووصلت العساكر متفرقة ، فكان الفرنج  يقتلون كل من وصل إليهم . 
ووصل الأمير  برسق  في نحو مائة فارس ، فرأى الحال وصعد تلا هناك ، ومعه أخوه زنكي ، وأحاط بهم من السوقية والغلمان ، واحتموا بهم ، ومنعوا الأمير  برسق  من النزول ، فأشار عليه أخوه ومن معه بالنزول والنجاة بنفسه ، فقال : لا أفعل ، بل أقتل في سبيل الله ، وأكون فداء المسلمين ، فغلبوه على رأيه ، فنجا هو ومن معه ، فتبعهم الفرنج  نحو فرسخ ، ثم عادوا وتمموا الغنيمة والقتل ، وأحرقوا كثيرا من الناس . 
وتفرق العسكر ، وأخذ كل واحد جهة . 
 [ ص: 609 ] ولما سمع الموكلون بالأسرى المأخوذين من كفرطاب  ذلك قتلوهم ، وكذلك فعل الموكل  بإياز بن إيلغازي  قتله أيضا ، وخاف أهل حلب   وغيرها من بلاد المسلمين التي بالشام  ، فإنهم كانوا يرجون النصر من جهة هذا العسكر ، فأتاهم ما لم يكن في الحساب ، وعادت العساكر عنهم إلى بلادها . 
وأما  برسق  وأخوه  زنكي  فإنهما توفيا في سنة عشر وخمسمائة ، وكان  برسق  خيرا ، دينا ، وقد ندم على الهزيمة ، وهو يتجهز للعود إلى الغزاة ، فأتاه أجله . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					