[ ص: 19 ]   42 
ثم دخلت سنة اثنتين وأربعين 
في هذه السنة غزا المسلمون اللان  وغزوا الروم  أيضا فهزموهم هزيمة منكرة وقتلوا جماعتهم من بطارقتهم . 
وفيها ولد   الحجاج بن يوسف  في قول . 
وفيها ولى  معاوية   مروان بن الحكم  المدينة  ، وولى  خالد بن العاص بن هشام  مكة  ، فاستقضى  مروان عبد الله بن الحارث بن نوفل     . 
وكان على الكوفة    :   المغيرة بن شعبة  وعلى قضائها  شريح  ، ( وعلى خراسان  قيس بن الهيثم  استعمله  ابن عامر  ، وقيل : استعمله  معاوية  لما استقامت له الأمور ، فلما ولي  ابن عامر  البصرة  أقره عليها ) . 
ذكر الخبر عن تحرك الخوارج   
وفي هذه السنة تحركت الخوارج  الذين كانوا انحازوا عمن قتل في النهر ومن كان ارتث من جراحته في النهر فبرءوا وعفا علي عنهم ، وكان سبب خروجهم أن  حيان بن ظبيان السلمي  كان خارجيا وكان قد ارتث يوم النهر ، فلما برأ لحق بالري  في رجال معه : 
 [ ص: 20 ] فأقاموا بها حتى بلغهم مقتل  علي  ، فدعا أصحابه وكانوا بضعة عشر ، أحدهم  سالم بن ربيعة العبسي  ، فأعلمهم بقتل  علي  ، فقال  سالم     : 
لا شلت يمين علت قذاله بالسيف ! وحمدوا الله على قتله ، رضي الله عنه ولا رضي عنهم . ثم إن  سالما  رجع عن رأي الخوارج  بعد ذلك وصلح ، ودعاهم  حيان  إلى الخروج ومقاتلة أهل القبلة ، فأقبلوا إلى الكوفة  فأقاموا بها حتى قدمها  معاوية  ، واستعمل على الكوفة   المغيرة بن شعبة  ، فأحب العافية وأحسن السيرة ، وكان يؤتى فيقال له : 
إن فلانا يرى رأي الشيعة  وفلانا يرى رأي الخوارج  ، فيقول : قضى الله أن لا يزالوا مختلفين وسيحكم الله بين عباده . فأمنه الناس . 
وكانت الخوارج  يلقى بعضهم بعضا ويتذاكرون مكان إخوانهم بالنهر ، فاجتمعوا على ثلاثة نفر : على  المستورد بن علفة التيمي  من تيم الرباب  ، وعلى  معاذ بن جوين الطائي  وهو ابن عم  زيد بن حصين  الذي قتل يوم النهر ، وعلى  حيان بن ظبيان السلمي  ، واجتمعوا في أربعمائة فتشاوروا فيمن يولون عليهم ، فكلهم دفع الإمارة عن نفسه ، ثم اتفقوا فولوا  المستورد  وبايعوه ، وذلك في جمادى الآخرة ، واتعدوا للخروج واستعدوا ، وكان خروجهم غرة شعبان سنة ثلاث وأربعين . 
( علفة بضم العين المهملة ، وتشديد اللام المكسورة ، وفتح الفاء ) . 
ذكر قدوم زياد على  معاوية   
وفي هذه السنة قدم  زياد  على  معاوية     [ من فارس    ] . 
وكان سبب ذلك أن  زيادا  كان قد استودع ماله   عبد الرحمن بن أبي بكرة  ، وكان  عبد الرحمن  يلي ماله بالبصرة  ، وبلغ  معاوية  ذلك فبعث   المغيرة بن شعبة  لينظر في أموال  زياد  ، فأخذ  عبد الرحمن  فقال له : إن كان أبوك قد أساء إلي لقد أحسن عمك ، يعني  زيادا     . وكتب إلى  معاوية     : أن عذب  عبد الرحمن  ، فأراد أن يعذر ، وبلغ ذلك  معاوية  فقال  لعبد الرحمن     : احتفظ بما في يديك . 
وألقى على وجهه حريرة ونضحها بالماء ، فغشي عليه ، ففعل ذلك ثلاث مرات ثم خلاه وكتب إلى  معاوية     : إني عذبته فلم أصب عنده شيئا . وحفظ  لزياد  يده عنده . ثم دخل  المغيرة  على  معاوية  ، فقال  معاوية  حين رآه : 
إنما موضع سر المرء إن باح بالسر أخوه المنتصح   [ ص: 21 ] فإذا بحت بسر فإلى ناصح يستره أو لا تبح 
فقال  المغيرة     : يا أمير المؤمنين إن تستودعني تستودع ناصحا مشفقا ، وما ذلك ؟ قال له  معاوية     : ذكرت  زيادا  واعتصامه بفارس  فلم أنم ليلتي . فقال  المغيرة     : ما  زياد  هناك ؟ فقال  معاوية     : داهية العرب معه أموال فارس  يدبر الحيل ، ما يؤمنني أن يبايع لرجل من أهل هذا البيت ، فإذا هو قد أعاد [  علي     ] الحرب جذعة ، فقال  المغيرة     : أتأذن لي يا أمير المؤمنين في إتيانه ؟ قال : نعم ، فأته وتلطف له . 
فأتاه  المغيرة  وقال له : إن  معاوية  استخفه الوجل حتى بعثني إليك ولم يكن أحد يمد يده إلى هذا الأمر غير  الحسن  ، وقد بايع ، فخذ لنفسك قبل التوطين فيستغني  معاوية  عنك . قال : أشر  علي     ( وارم الغرض الأقصى ) ، فإن المستشار مؤتمن : 
فقال له  المغيرة     : ( أرى أن تصل حبلك بحبله وتشخص إليه ، ويقضي الله . وكتب إليه  معاوية  بأمانه بعد عود  المغيرة  عنه ) ، فخرج  زياد  من فارس  نحو  معاوية  ومعه  المنجاب بن راشد الضبي  وحارثة بن بدر الغداني     . 
وسرح  عبد الله بن عامر عبد الله بن خازم  في جماعة إلى فارس  وقال : لعلك تلقى  زيادا  في طريقك فتأخذه . فسار  ابن خازم  ، فلقي  زيادا  بأرجان  ، فأخذه بعنانه وقال : انزل يا  زياد     . فقال له  المنجاب     : تنح يا ابن السوداء وإلا علقت يدك بالعنان . وكانت بينهم منازعة . فقال له  زياد     : قد أتاني كتاب  معاوية  وأمانه . فتركه  ابن خازم  ، وقدم  زياد  على  معاوية  ، وسأله عن أموال فارس  ، فأخبره بما حمل منها إلى  علي  وبما أنفق منها في الوجوه التي تحتاج إلى النفقة وما بقي عنده وأنه مودع للمسلمين ، فصدقه  معاوية  فيما أنفق وفيما بقي عنده وقبضه منه . 
 [ ص: 22 ] وقيل : إن  زيادا  لما قال  لمعاوية  قد بقيت بقية من المال وقد أودعتها ، مكث  معاوية  يردده ، فكتب  زياد  كتبا إلى قوم ( أودعهم المال وقال لهم ) : قد علمتم ما لي عندكم من الأمانة فتدبروا كتاب الله : إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال  الآية ، فاحتفظوا بما قبلكم . وسمى في الكتب المال الذي أقر به  لمعاوية  ، وأمر رسوله أن يتعرض لبعض من يبلغ ذلك  معاوية     . ففعل رسوله ، وانتشر ذلك ، فقال  معاوية  لزياد  حين وقف على الكتب : أخاف أن تكون مكرت بي فصالحني على ما شئت . فصالحه على شيء وحمله إليه ، ومبلغه : ألف ألف درهم ، واستأذنه في نزول الكوفة  ، فأذن له ، فكان  المغيرة  يكرمه ويعظمه . فكتب  معاوية  إلى  المغيرة  ليلزم  زيادا   وحجر بن عدي   وسليمان بن صرد   وشبث بن ربعي  وابن الكوا بن الحمق  بالصلاة في الجماعة ، فكانوا يحضرون معه الصلاة . ( وإنما ألزمهم بذلك لأنهم كانوا من شيعة  علي     ) . 
ذكر عدة حوادث 
وحج هذه السنة بالناس  عنبسة بن أبي سفيان     . 
  [ الوفيات ]   : 
وفيها مات   حبيب بن مسلمة الفهري  بأرمينية  ، وكان أميرا  لمعاوية  عليها ، وكان قد   [ ص: 23 ] شهد معه حروبه كلها . وفيها مات   عثمان بن طلحة بن أبي طلحة العبدري  ، له صحبة . وفيها مات  ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب     : 
وهو الذي صارع النبي ، صلى الله عليه وسلم ،   [ ص: 24 ]  وصفوان بن أمية بن خلف الجمحي  ، وله صحبة . وفيها مات  هانئ بن نيار بن عمرو الأنصاري     : 
 [ ص: 25 ] وهو خال   البراء بن عازب  ، وقيل : سنة خمس وأربعين ، وكان بدريا عقبيا . 
( نيار بكسر النون ، وفتح الياء تحتها نقطتان ، وآخره راء ) . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					