[ ص: 299 ]   614 
ثم دخلت سنة أربع عشرة وستمائة 
ذكر ملك  خوارزم شاه  بلد الجبل  
في هذه السنة سار  خوارزم شاه علاء الدين محمد بن تكش  إلى بلاد الجبل  فملكها . 
وكان سبب حركته في هذا الوقت ، أشياء ; أحدها : أنه كان قد استولى على ما وراء النهر وظفر بالخطا  ، وعظم أمره ، وعلا شأنه ، وأطاعه القريب والبعيد ومنها : أنه كان يهوى أن يخطب له ببغداد  ، ويلقب بالسلطان ، وكان الأمر بالضد لأنه كان لا يجد من ديوان الخلافة قبولا ; وكان سبيله إذا ورد إلىبغداد  أن يقدم غيره عليه ، ولعل في عسكره مائة مثل الذي يقدم سبيله عليه ، فكان إذا سمع ذلك يغضبه ، ومنها : أن  أغلمش  لما ملك بلاد الجبل  خطب له فيها جميعها ، كما ذكرناه ، فلما قتله الباطنية  غضب له وخرج لئلا تخرج البلاد عن طاعته ، فسار مجدا في عساكر تطبق الأرض ، فوصل إلى الري  فملكها . 
وكان  أتابك سعد بن دكلا  ، صاحب بلاد فارس  ، لما بلغه مقتل  أغلمش  جمع عساكره وسار نحو بلاد الجبل  طمعا في تملكها لخلوها عن حام وممانع ، فوصل إلى أصفهان  فأطاعه أهلها ، وسار منها يريد الري  ، ولم يعلم بقدوم  خوارزم شاه  ، فلقيه مقدمة  خوارزم شاه  ، فظنها عساكر تلك الديار قد اجتمعت لقتاله ، ومنعه عن البلاد ، فقاتلهم ، وجد في محاربتهم حتى كاد يهزمهم . 
فبينما هو كذلك إذ هو قد ظهر له جتر  خوارزم شاه  ، فسأل عنه ، فأخبر به   [ ص: 300 ] فاستسلم ، وانهزمت عساكره ، وأخذ أسيرا ، وحمل إلى بين يدي  خوارزم شاه  ، فأكرمه ووعده الإحسان والجميل ، وأمنه على نفسه واستحلفه على طاعته ، واستقرت القاعدة بينهما على أن يسلم بعض البلاد إليه ، ويبقي بعضها ، وأطلقه وسير معه جيشا إلى بلاد فارس    ; ليسلم إليهم ما استقرت القاعدة عليه ; فلما قدم على ولده الأكبر رآه قد تغلب على بلاد فارس  ، فامتنع من التسليم إلى أبيه . 
ثم إنه ملك البلاد ، كما نذكره ، وخطب فيها  لخوارزم شاه  ، وسار  خوارزم شاه  إلى ساوة  فملكها ، وأقطعها  لعماد الملك  عارض جيشه ، وهو من أهلها ثم سار إلى قزوين  وزنجان  وأبهر  ، فملكها كلها بغير ممانع ولا مدافع ثم سار إلى همذان  فملكها ، وأقطع البلاد لأصحابه ، وملك أصفهان  ، وكذلك قم وقاشان ، واستوعب ملك جميع البلاد ، واستقرت القاعدة بينه وبين  أوزبك بن البهلوان  ، صاحب أذربيجان  وأران  ، بأن يخطب له  أوزبك  في بلاده ويدخل في طاعته . 
ثم إنه عزم على المسير إلى بغداد  ، فقدم بين يديه أميرا كبيرا في خمسة عشر ألف فارس ، وأقطعه حلوان  ، فسار حتى وصل إليها ، ثم أتبعه بأمير آخر ، فلما سار عن همذان  يومين أو ثلاثة سقط عليهم من الثلج ما لم يسمع بمثله ، فهلكت دوابهم ، ومات كثير منهم ، وطمع فيمن بقي بنو ترجم الأتراك  ، وبنو هكار الأكراد  ، فتخطفوهم ، فلم يرجع منهم إلى  خوارزم شاه  إلا اليسير ، فتطير  خوارزم شاه  من ذلك الطريق ، وعزم على العود إلى خراسان  خوفا من التتر  ، لأنه ظن أنه يقضي حاجته ، ويفرغ من إرادته في المدة اليسيرة ، فخاب ظنه ، ورأى البيكار بين يديه طويلا ، فعزم على العود ، فولى همذان  أميرا من أقاربه من جهة والدته ، يقال له  طائيسي  ، وجعل في البلاد جميعها ابنه ركن الدين ، وجعل معه متوليا لأمر دولته  عماد الملك الساوي  ، وكان عظيم القدر عنده ، وكان يحرص على قصد العراق    . 
وعاد  خوارزم شاه  إلى خراسان  ، فوصل إلى مرو  في المحرم سنة خمس عشرة وستمائة ، وسار من وجهه إلى ما وراء النهر ; ولما قدم إلى نيسابور  جلس يوم الجمعة عند المنبر ، وأمر الخطيب بترك الخطبة للخليفة الناصر لدين الله ، وقال : إنه قد مات ؛ [ ص: 301 ] وكان ذلك في ذي القعدة سنة أربع عشرة وستمائة ، ولما قدم مرو  قطع الخطبة بها ، وكذلك ببلخ  وبخارى  وسرخس  ، وبقي خوارزم وسمرقند  وهراة  لم تقطع الخطبة فيها إلا عن قصد لتركها ، لأن البلاد كانت لا تعارض من أشباه هذا ، إن أحبوا خطبوا ، وإن أرادوا قطعوا ، فبقيت كذلك إلى أن كان منه ما كان . 
وهذه من جملة سعادات هذا البيت الشريف العباسي لم يقصده أحد بأذى إلا لقيه فعله ، وخبث نيته ، لا جرم لم يمهل  خوارزم شاه  هذا حتى جرى له ما نذكره مما لم يسمع ، بمثله في الدنيا قديما ولا حديثا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					