[ ص: 205 ] 601
ثم دخلت سنة إحدى وستمائة
ذكر كيخسرو بن قلج أرسلان بلاد الروم من ابن أخيه ملك
في هذه السنة ، في رجب ، ملك غياث الدين كيخسرو بن قلج أرسلان بلاد الروم التي كانت بيد أخيه ركن الدين سليمان وانتقلت بعد موته إلى ابنه قلج أرسلان بن ركن الدين .
وكان سبب ملك غياث الدين لها أن ركن الدين كان قد أخذ ما كان لأخيه غياث الدين وهو مدينة قونية ، فهرب غياث الدين منه وقصد الشام إلى صاحب الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين حلب ، فلم يجد عنده قبولا ، وقصر به ، فسار من عنده ، وتقلب في البلاد إلى أن وصل إلى القسطنطينية ، فأحسن إليه ملك الروم وأقطعه وأكرمه ، فأقام عنده ، وتزوج بابنة بعض البطارقة الكبار .
وكان لهذا البطريق قلعة من عمل القسطنطينية ، فلما ملك الفرنج القسطنطينية ، هرب غياث الدين إلى حميه ، وهو بقلعته ، فأنزله عنده وقال له : نشترك في هذه القلعة ، ونقنع بدخلها . فأقام عنده ، فلما مات أخوه سنة ستمائة - كما ذكرناه - اجتمع الأمراء على ولده ، وخالفهم الأتراك الأوج ، وهم كثير بتلك البلاد ، وأنف من اتباعهم ، وأرسل إلى غياث الدين يستدعيه إليه ليملكه البلاد ، فسار إليه ، فوصل في جمادى الأولى ، واجتمع به وكثر جمعه ، وقصد مدينة قونية ليحصرها ، وكان ولد ركن الدين والعساكر بها ، فأخرجوا إليه طائفة من العسكر ، فلقوه فهزموه ، فبقي حيران لا يدري أين يتوجه ، فقصد بلدة صغيرة يقال لها أوكرم بالقرب من قونية .
[ ص: 206 ] فقدر الله - تعالى - أن أهل مدينة أقصرا وثبوا على الوالي فأخرجوه منها ونادوا بشعار غياث الدين ، فلما سمع أهل قونية بما فعله أهل أقصرا قالوا : نحن أولى من فعل هذا ، لأنه كان حسن السيرة فيهم لما كان مالكهم ، فنادوا باسمه أيضا ، وأخرجوا من عندهم ، واستدعوه فحضر عندهم ، وملك المدينة وقبض على ابن أخيه ومن معه ، وآتاه الله الملك ، وجمع له البلاد جميعها في ساعة واحدة ، فسبحان من إذا أراد أمرا هيأ أسبابه ! .
وكان أخوه قيصر شاه الذي كان صاحب ملطية ، لما أخذها ركن الدين منه سنة سبع وتسعين [ وخمسمائة ] ، خرج منها ، وقصد الملك العادل أبا بكر بن أيوب ; لأنه كان تزوج ابنته مستنصرا به ، فأمره بالمقام بمدينة الرها ، فأقام بها فلما سمع بملك أخيه غياث الدين سار إليه ، فلم يجد عنده قبولا ، إنما أعطاه شيئا وأمره بمفارقة البلاد ، فعاد إلى الرها وأقام بها ، فلما استقر ملك [ غياث الدين سار إليه الأفضل صاحب ] سميساط ، ( فلقيه بمدينة قيسارية ) وقصده أيضا نظام الدين صاحب خرت برت ، وصار معه ، فعظم شأنه وقوي أمره .