[ ص: 538 ]   291 
ثم دخلت سنة إحدى وتسعين ومائتين 
ذكر أخبار القرامطة  ، وقتل صاحب الشامة   
قد ذكرنا مسير  المكتفي  إلى الرقة  ، وإرساله الجيوش إلى صاحب الشامة  ، وتولية حرب صاحب الشامة  محمد بن سليمان الكاتب  ، فلما كانت هذه السنة أمر   محمد بن سليمان  بمناهضة صاحب الشامة  ، فسار إليه عساكر الخليفة ، حتى لقوه وأصحابه بمكان بينهم ، وبين حماة اثنا عشر ميلا لست خلون من المحرم ، فقدم  القرمطي  أصحابه إليهم ، وبقي في جماعة من أصحابه ، معه مال كان جمعه ، وسواد عسكره ، والتحمت الحرب بين أصحاب الخليفة ، والقرامطة  ، واشتدت ، وانهزمت القرامطة  ، وقتلوا كل قتلة وأسر ( من رجالهم بشر كثير ) ، وتفرق الباقون في البوادي ، وتبعهم أصحاب الخليفة . 
فلما رأى صاحب الشامة  ما نزل بأصحابه حمل أخا له يكنى  أبا الفضل  مالا ، وأمره أن يلحق بالبوادي إلى أن يظهر بمكان فيسير إليه ، وركب هو وابن عمه المسمى  بالمدثر  ، والمطوق صاحبه ، وغلام له رومي ، [ وأخذ دليلا ] وسار يريد الكوفة  عرضا في البرية ، فانتهى إلى الدالية من أعمال الفرات  ، وقد نفد ما معهم من الزاد والعلف ، فوجه بعض أصحابه إلى الدالية المعروفة  بابن طوق  ليشتري لهم ما يحتاجون إليه ، فأنكروا رأيه ، فسألوه عن حاله فكتمه ، فرفعوه إلى متولي تلك الناحية خليفة  أحمد بن محمد بن كشمرد  ، فسأله عن خبره ، فأعلمه أن صاحب الشامة  خلف رابية هناك مع ثلاثة نفر ، فمضى إليهم وأخذهم ، وأحضرهم عند  ابن كشمرد  ، فوجه بهم إلى  المكتفي  بالرقة  ، ورجعت الجيوش من الطلب بعد أن قتلوا وأسروا ، وكان أكثر الناس أثرا في الحرب  الحسين بن حمدان  ، وكتب   محمد بن سليمان  يثني عليه وعلى بني شيبان  ، فإنهم اصطلوا   [ ص: 539 ] الحرب ، وهزموا القرامطة  ، وأكثروا القتل فيهم والأسر ، حتى لم ينج منهم إلا قليل . 
وفي يوم الاثنين لأربع بقين من المحرم أدخل صاحب الشامة  الرقة  ظاهرا للناس على فالج ، وهو الجمل ذو السنامين ، وبين يديه المدثر والمطوق ; وسار  المكتفي  إلى بغداذ  ومعه صاحب الشامة  ، وأصحابه ، وخلف العساكر مع   محمد بن سليمان  ، وأدخل القرمطي بغداذ  على فيل ، وأصحابه على الجمل ، ثم أمر  المكتفي  بحبسهم إلى أن يقدم   محمد بن سليمان  ، فقدم بغداذ  ، وقد استقصى في طلب القرامطة  ، فظفر بجماعة من أعيانهم ورءوسهم ، فأمر  المكتفي  بقطع أيديهم ، وأرجلهم ، وضرب أعناقهم بعد ذلك ، وأخرجوا من الحبس ، وفعل بهم ذلك ، وضرب صاحب الشامة  مائتي سوط ، وقطعت يداه ، وكوي ، فغشي عليه ، وأخذوا خشبا وجعلوا فيه نارا ، ووضعوه على خواصره ، فجعل يفتح عينه ويغمضها ، فلما خافوا موته ضربوا عنقه ، ورفعوا رأسه على خشبة ، فكبر الناس لذلك ، ونصب على الجسر . 
وفيها قدم رجل من بني العليص  من وجوه القرامطة  ، يسمى  إسماعيل بن النعمان  ، وكان نجا في جماعة لم ينج من رؤسائهم غيره ، فكاتبه  المكتفي  وبذل له الأمان ، فحضر في الأمان هو ونيف ( ومائة ) وستون نفسا ، فأمنوا وأحسن إليهم ، ووصلوا بمال ، وصاروا إلى رحبة  مالك بن طوق  مع  القاسم بن سيما  ، وهي من عمله ، فأقاموا معه مدة ، ثم أرادوا الغدر  بالقاسم  ، وعزموا على أن يثبوا بالرحبة يوم الفطر عند اشتغال الناس بالصلاة ، وكان قد صار معهم جماعة كبيرة ، فعلم بذلك ، فقتلهم ، فارتدع من كان بقي من موالي بني العليص  ، وذلوا ، وألزموا السماوة ، حتى جاءهم كتاب من الخبيث زكرويه يعلمهم أنه مما أوحي إليه أن صاحب الشامة  ، وأخاه المعروف بالشيخ يقتلان ، وأن إمامه الذي هو حي يظهر بعدهما ويظفر . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					