[ ص: 145 ]   146 
ثم دخلت سنة ست وأربعين ومائة 
ذكر انتقال  المنصور  إلى بغداذ  وكيفية بنائها  
وفيها في صفر ، تحول  المنصور  من مدينة  ابن هبيرة  إلى بغداذ  وبنى مدينتها ، وقد ذكرنا في سنة خمس وأربعين السبب الباعث  للمنصور  على بناء مدينة بغداذ  ، ونذكر الآن بناءها . 
ولما عزم  المنصور  على بناء بغداذ  شاور أصحابه ، وكان فيهم   خالد بن برمك  ، فأشار أيضا بذلك ، وهو خطها ، فاستشاره في نقض المدائن وإيوان كسرى  ونقل نقضها إلى بغداذ  ، فقال : لا أرى ذلك ، لأنه علم من أعلام الإسلام يستدل به الناظر على أنه لم يكن ليزال مثل أصحابه عنه بأمر دنيا ، وإنما هو على أمر دين ، ومع هذا ففيه مصلى   علي بن أبي طالب     . 
قال  المنصور     : لا ، أبيت يا  خالد  إلا الميل إلى أصحابك العجم ! وأمر بنقض القصر الأبيض ، فنقضت ناحية منه وحمل نقضه ، فنظر ، فكان مقدار ما يلزمهم له أكثر من ثمن الحديد . فدعا   خالد بن برمك  فأعلمه ذلك ، فقال : يا أمير المؤمنين قد كنت أرى أن لا تفعل ، فأما إذ فعلت فإني أرى أن تهدم لئلا يقال إنك عجزت عن هدم ما بناه غيرك . فأعرض عنه وترك هدمه . 
ونقل أبواب مدينة واسط  فجعلها على بغداذ  ، وبابا جيء به من الشام  ، وبابا آخر جيء به من الكوفة  عمله   خالد بن عبد الله القسري  ، وجعل المدينة  مدورة لئلا يكون بعض الناس أقرب إلى السلطان من بعض ، وعمل لها سورين ، السور الداخل أعلى من الخارج ، وبنى قصره في وسطها ، والمسجد الجامع بجانب القصر . 
وكان الحجاج بن أرطاة هو الذي خط المسجد ، وقبلته غير مستقيمة يحتاج المصلي أن ينحرف إلى باب   [ ص: 146 ] البصرة  لأنه وضع بعد القصر . وكان القصر غير مستقيم على القبلة . 
وكان اللبن الذي يبنى به ذراعا في ذراع ، ووزن بعضها لما نقض ، وكان وزن لبنة منه مائة رطل وستة عشر رطلا ، وكانت مقاصير جماعة من قواد  المنصور  وكتابه تشرع أبوابها إلى رحبة الجامع ، فطلب إليه عمه   عيسى بن علي  أن يأذن له في الركوب من باب الرحبة  إلى القصر لضعفه ، فلم يأذن له ، قال : فاحسبني راوية ، فأمر الناس بإخراج أبوابهم من الرحبة  إلى فصلان الطاقات . 
وكانت الأسواق في المدينة  ، فجاء رسول لملك الروم  ، فأمر  الربيع  فطاف به في المدينة  ، فقال : كيف رأيت ؟ قال : رأيت بناء حسنا إلا أني رأيت أعداءك معك وهم السوقة . فلما عاد الرسول عنه أمر بإخراجهم إلى ناحية الكرخ    . 
وقيل : إنما أخرجهم لأن الغرباء يطرقونها ويبيتون فيها ، وربما كان فيهم الجاسوس . 
وقيل : إن  المنصور  كان يتبع من خرج مع  إبراهيم بن عبد الله  ، وكان   أبو زكرياء يحيى بن عبد الله  ، محتسب بغداذ  ، له مع  إبراهيم  ميل ، فجمع جماعة من السفلة فشغبوا على  المنصور  ، فسكنهم وأخذ  أبا زكرياء  فقتله ، وأخرج الأسواق ، فكلم في بقال ، فأمر أن يجعل في كل ربع بقال يبيع البقل والخل حسب . 
وجعل الطريق أربعين ذراعا . 
وكان مقدار النفقة على بنائها وبناء المسجد والقصر والأسواق  والفصلان والخنادق وأبوابها أربعة آلاف ألف وثمانمائة وثلاثة وثلاثين درهما . 
وكان الأستاذ من البنائين يعمل يومه بقيراط فضة ،  والروزكاري  بحبتين ، وحاسب القواد عند الفراغ منها فألزم كلا منهم بما بقي عنده فأخذه ، حتى إن  خالد بن الصلت  بقي عليه خمسة عشر درهما فحبسه وأخذها منه . 
 [ ص: 147 ] ذكر خروج  العلاء  بالأندلس  
وفيها سار  العلاء بن مغيث اليحصبي     ( من إفريقية  إلى مدينة ) بناحية من الأندلس  ، ولبس السواد ، وقام بالدولة العباسية وخطب  للمنصور  ، واجتمع إليه خلق كثير ، فخرج إليه الأمير  عبد الرحمن الأموي  ، فالتقيا بنواحي إشبيلية  ، ثم تحاربا أياما ، فانهزم  العلاء  وأصحابه ، وقتل منهم في المعركة سبعة آلاف ، وقتل  العلاء     . 
وأمر بعض التجار بحمل رأسه ورءوس جماعة من مشاهير أصحابه إلى القيروان  وإلقائها بالسوق سرا ، ففعل ذلك ، ثم حمل منها شيء إلى مكة  ، فوصلت وكان بها  المنصور  ، وكان مع الرءوس لواء أسود وكتاب كتبه  المنصور  للعلاء     . 
ذكر عدة حوادث . 
في هذه السنة عزل   سلم بن قتيبة  عن البصرة     . وكان سبب عزله أن  المنصور  كتب إليه يأمره بهدم دور من خرج مع  إبراهيم  ، وبعقر نخلهم ، فكتب سلم : بأي ذلك أبدأ ، بالدور أم بالنخل ؟ فأنكر  المنصور  ذلك عليه وعزله . 
واستعمل   محمد بن سليمان  ، فعاث بالبصرة  وهدم دار  أبي مروان  ، ودار  عون بن مالك  ، ودار   عبد الواحد بن زياد  ، وغيرهم . 
وغزا الصائفة  هذه السنة  جعفر بن حنظلة البهراني     . 
وفيها عزل عن المدينة  عبد الله بن الربيع الحارثي  ، وولي مكانه   جعفر بن سليمان  ، فقدمها في ربيع الأول ، وفيها عزل عن مكة  السري بن عبد الله  ووليها   عبد الصمد بن علي     . 
 [ ص: 148 ] وحج بالناس هذه السنة  عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام     . 
[ الوفيات   ] 
[ وفيها ] مات   هشام بن عروة بن الزبير  ، وقيل سنة سبع وأربعين في شعبان    .   وعوف الأعرابي     .  وطلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي الكوفي     . 
وفيها غزا   مالك بن عبد الله الخثعمي  ، الذي يقال له  مالك الصوائف  ، وهو من أهل فلسطين   ، بلاد الروم   فغنم غنائم كثيرة ثم قفل ، فلما كان من درب الحدث على خمسة عشر ميلا بموضع يدعى الرهوة نزل بها ثلاثا وباع الغنائم وقسم سهام الغنيمة ، فسميت تلك الرهوة رهوة مالك    . 
( وفيها توفي ابن السائب الكلبي النسابة ) . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					