[ ص: 254 ]   354 
ثم دخلت سنة أربع وخمسين وثلاثمائة 
ذكر استيلاء الروم  على المصيصة  وطرسوس   
في هذه السنة فتح الروم  المصيصة  وطرسوس    . 
وكان سبب ذلك أن  نقفور  ملك الروم  بنى بقيسارية  مدينة ليقرب من بلاد الإسلام ، وأقام بها ، ونقل أهله إليها ، فأرسل إليه أهل طرسوس  والمصيصة     ( يبذلون له إتاوة ) ، ويطلبون منه أن ينفذ إليهم بعض أصحابه يقيم عندهم ، فعزم على إجابتهم إلى ذلك . 
فأتاه الخبر بأنهم قد ضعفوا وعجزوا ، وأنهم لا ناصر لهم ، وأن الغلاء قد اشتد عليهم ، وقد عجزوا عن القوت ، وأكلوا الكلاب والميتة ، وقد كثر فيهم الوباء ، فيموت منهم في اليوم ثلاثمائة نفس ، فعاد  نقفور  عن إجابتهم ، وأحضر الرسول وأحرق الكتاب على رأسه ، واحترقت لحيته ، وقال لهم : أنتم كالحية ، في الشتاء تخدر وتذبل حتى تكاد تموت ، فإن أخذها إنسان وأحسن إليها وأدفأها ، انتعشت ونهشته ، وأنتم إنما أطعتم لضعفكم ، وإن تركتكم حتى تستقيم أحوالكم ، تأذيت بكم . 
وأعاد الرسول ، وجمع جيوش الروم  ، وسار إلى المصيصة  بنفسه ، فحاصرها وفتحها عنوة ( بالسيف يوم السبت ثالث عشر رجب ) ، ووضع السيف فيهم ، فقتل منهم مقتلة عظيمة ، ثم رفع السيف ونقل كل من بها إلى بلد الروم  ، كانوا نحو مائتي ألف إنسان . 
 [ ص: 255 ] ثم سار إلى طرسوس  فحصرها ، فأذعن أهلها بالطاعة ، وطلبوا الأمان ، فأجابهم إليه وفتحوا البلد ، فلقيهم بالجميل ، وأمرهم أن يحملوا من سلاحهم وأموالهم ( ما يطيقون ) ويتركوا الباقي ، ففعلوا ذلك ، وساروا برا وبحرا ، وسير معهم من يحميهم حتى بلغوا أنطاكية    . 
وجعل الملك المسجد الجامع إصطبلا لدوابه ، وأحرق المنبر ، وعمر طرسوس  وحصنها ، وجلب الميرة إليها حتى رخصت الأسعار ، وتراجع إليها كثير من أهلها ، ودخلوا في طاعة الملك ، وتنصر بعضهم . 
وأراد المقام بها ليقرب من بلاد الإسلام ، ثم عاد إلى القسطنطينية  ، وأراد  الدمستق وهو ابن الشمشقيق  أن يقصد ميافارقين  ، وبها  سيف الدولة  ، فأمره الملك باتباعه إلى القسطنطينية  ، فمضى إليه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					