[ ص: 232 ] 350
ثم دخلت سنة خمسين وثلاثمائة
ذكر معز الدولة دوره ببغداذ بناء
في هذه السنة في المحرم ، مرض معز الدولة ، وامتنع عليه البول ، ثم كان يبول بعد جهد ومشقة دما ، وتبعه البول ، والحصى ، والرمل ، فاشتد جزعه وقلقه ، وأحضر الوزير المهلبي ، والحاجب سبكتكين ، فأصلح بينهما ، ووصاهما بابنه بختيار ، وسلم جميع ماله إليه .
ثم إنه عوفي ، فعزم على المسير إلى الأهواز ; لأنه اعتقد أن ما اعتاده من الأمراض إنما هو بسبب مقامه ببغداذ ، وظن أنه إن عاد إلى الأهواز ، عاوده ما كان فيه من الصحة ، ونسي الكبر والشباب ، فلما انحدر إلى كلواذى ليتوجه إلى الأهواز ، أشار عليه أصحابه بالمقام ، وأن يفكر في هذه الحركة ولا يعجل ، فأقام بها ، ولم يؤثر أحد من أصحابه انتقاله لمفارقة أوطانهم وأسفا على بغداذ كيف تخرب بانتقال دار الملك عنها ، فأشاروا عليه بالعود إلى بغداذ ، ( وأن يبني بها ) له دارا في أعلى بغداذ لتكون أرق هواء ، وأصفى ماء ، ففعل ، وشرع في بناء داره في موضع المسناة المعزية ، فكان مبلغ ما خرج عليها ( إلى أن مات ثلاثة عشر ) ألف ألف درهم ، فاحتاج بسبب ذلك إلى مصادرة جماعة من أصحابه .
[ ص: 233 ] ذكر الأمير عبد الملك بن نوح موت
في هذه السنة سقط الفرس تحت الأمير عبد الملك بن نوح صاحب خراسان ، فوقع إلى الأرض ، فمات من سقطته ، وافتتنت خراسان بعده ، وولي بعده أخوه منصور بن نوح ، وكان موته يوم الخميس حادي عشر شوال .
ذكر عبد الرحمن الناصر صاحب الأندلس ، وولاية ابنه الحاكم وفاة
في هذه السنة توفي صاحب عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الأندلس ، الملقب بالناصر لدين الله ، في رمضان ، فكانت إمارته خمسين سنة وستة أشهر ، وكان عمره ثلاثا وسبعين سنة ، كان أبيض ، أشهل ، حسن الوجه ، عظيم الجسم ، قصير الساقين ، كان ركاب سرجه يقارب الشبر ، وكان طويل الظهر ، وهو أول من تلقب من الأمويين بألقاب الخلفاء ، تسمى بأمير المؤمنين ، وخلف أحد عشر ولدا ذكرا ، وكان من تقدمه من آبائه يخاطبون ويخطب لهم بالأمير وأبناء الخلائف .
وبقي هو كذلك إلى أن مضى من إمارته سبع وعشرون سنة ، فلما بلغه ضعف الخلفاء بالعراق وظهور العلويين بإفريقية ، ومخاطبتهم بأمير المؤمنين ، أمر حينئذ أن يلقب الناصر لدين الله ، ويخطب له بأمير المؤمنين ، ويقول أهل الأندلس : إنه أول خليفة ولي بعد جده ، كانت أمه أم ولد اسمها مزنة ، ولم يبلغ أحد ممن تلقب بأمير المؤمنين مدته في الخلافة غير صاحب المستنصر العلوي مصر ، فإن خلافته كانت ستين سنة .
ولما مات ولي الأمر بعده ابنه الحاكم بن عبد الرحمن ، وتلقب بالمستنصر ، وأمه أم ولد تسمى مرجانة ، وخلف الناصر عدة أولاد منهم عبد الله ، وكان شافعي [ ص: 234 ] المذهب ، عالما بالشعر والأخبار وغيرهما ، وكان ناسكا .
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة أنطاكية إلى طرسوس ومعهم صاحب أنطاكية ، فخرج عليهم كمين سار قفل عظيم من للروم ، فأخذ من كان فيها من المسلمين ، وقتل كثيرا منهم ، وأفلت صاحب أنطاكية وبه جراحات .
وفيها في رمضان ، دخل نجا غلام سيف الدولة بلاد الروم من ناحية ميافارين غازيا ، وإنه في رمضان غنم ما قيمته قيمة عظيمة ، وسبى ، وأسر وخرج سالما .
[ ] الوفيات
وفيها مات القاضي ، وقبضت أملاكه ، وتولى قضاء القضاة أبو السائب عتبة بن عبد الله أبو العباس بن عبد الله بن أبي الشوارب ، وضمن أن يؤدي كل سنة مائتي ألف درهم ، وهو أول من ضمن القضاء ، وكان ذلك أيام معز الدولة ، ولم يسمع بذلك قبله ، فلم يأذن له الخليفة المطيع لله بالدخول عليه ، وأمر بأن لا يحضر الموكب لما ارتكبه من ضمان القضاء ، ثم ضمنت بعده الحسبة والشرطة ببغداذ .
وفيها وصل أبو القاسم أخو عمران بن شاهين إلى معز الدولة مستأمنا .
[ ص: 235 ] وفيها توفي القاضي ، وهو من أصحاب أبو بكر أحمد بن كامل وكان يروي تاريخه . الطبري