[ ص: 291 ] ذكر ملوك الروم   ، وهم ثلاث طبقات ، فالطبقة الأولى الصابئون  
ذكر غير واحد من علماء التاريخ أن الروم  غلبت اليونان  ، وهم ولد  صوفير  ، والإسرائيليون  يدعون أن  صوفير  هو  الأصفر بن نفر بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم  ، وكانوا ينزلون رومية  قبل غلبتهم على اليونان  ، وكانوا يدينون قبل النصرانية بمذهب الصابئين  ، ولهم أصنام يعبدونها على عادة الصابئين    . فكان أول ملوكهم برومية  غاليوس  ، وكان ملكه ثماني عشرة سنة . 
وقيل : كان ملك قبله  روملس  وأرمانوس  ، وهما بنياها ، وإليهما نسبت ، وأضيف الروم  إليها ، وإنما  غاليوس  أول من يعد في التاريخ لشهرته ، ثم ملك بعده  يوليوس  أربع سنين وأربعة أشهر ، ثم ملك  أوغسطس  ، ومعناه الصباء ، وهو أول من سمي  قيصر     . وتفسير ذلك أنه شق عنه بطن أمه لأنها ماتت وهي حامل به ، فأخرج من بطنها ، ثم صار ذلك لقبا لملوكهم ، وكان ملكه ستا وخمسين سنة وخمسة أشهر ، وأكثر المؤرخين يبتدئون باسمه لأنه أول من خرج من رومية  وسير الجنود برا وبحرا ، وغزا اليونانيين  ، واستولى على ملكهم ، وقتل قلوبطرة  آخر ملوكهم ، واستولى على الإسكندرية  ونقل ما فيها إلى رومية  ، وملك الشام  ، واضمحل ملك اليونانيين  ، ودخلوا في الروم  ، واستخلف على البيت المقدس  هيرودس بن أنطيقوس  ، ولاثنتين وأربعين سنة من ملكه كانت ولادة المسيح  ، وهو الذي بنى قيصارية    . 
 [ ص: 292 ] ثم ملك بعده  طيباريوس  ثلاثا وعشرين سنة ، وهو الذي بنى مدينة طبرية  ، فأضيفت إليه ، وعربها العرب ، وفي ملكه رفع المسيح    - عليه السلام - وملك بعد رفعه ثلاث سنين . 
ثم ملك بعده ابنه  غاليوس  أربع سنين ، وهو الذي قتل  إصطفنوس  رئيس الشمامسة  عند النصارى  ويعقوب أخا يوحنا بن زبدي  ، وهما من الحواريين  ، وقتل خلقا من النصارى  ، وهو أول الملوك من عباد الأصنام قتل النصارى    . 
ثم ملك  قلوديوس بن طيباريوس  أربع عشرة سنة ، وفي ملكه حبس  شمعون الصفا  ، ثم خلص  شمعون  من الحبس وسار إلى أنطاكية  ، فدعا إلى النصرانية ، ثم سار إلى رومية  فدعا أهلها أيضا ، فأجابته زوجة الملك وسارت إلى البيت المقدس  وأخرجت الخشبة التي تزعم النصارى  أن المسيح  صلب عليها ، وكانت في أيدي اليهود  ، فأخذتها وردتها إلى النصارى    . 
ثم ملك نيرون  ثلاث عشرة سنة وثلاثة أشهر ، وفي آخر ملكه قتل  بطرس  وبولس  بمدينة رومية  وصلبهما منكسين ، وفي أيامه ظفرت اليهود  بيعقوب بن يوسف  ، وهو أول الأساقفة بالبيت المقدس   ، فقتلوه وأخذوا خشبة الصليب فدفنوها ، وفي أيامه كان  مارينوس الحكيم  صاحب كتاب الجغرافيا في صورة الأرض . 
ثم ملك بعده  غلباس  سبعة أشهر ، ثم ملك  أوثون  ثلاثة أشهر ، ثم ملك  بيطاليس  أحد عشر شهرا ، ثم ملك  إسباسيانوس  تسع سنين وسبعة أشهر ، وفي أيامه خالف البيت المقدس  قيصر  فحصرهم وافتتح المدينة عنوة وقتل كثيرا من أهلها من اليهود   [ ص: 293 ] والنصارى  وعمهم الأذى في أيامه . 
ثم ملك ابنه  طيطوس  سنتين وثلاثة أشهر ، وفي أيامه أظهر  مرقيون  مقالته بالاثنين ، وهما : الخير والشر ، وبعد ثالث بينهما ، وإليه تنسب المرقونية  ، وهو من أهل حران    . 
ثم ملك  ذومطيانش بن إسباسيانوس  خمس عشرة سنة وعشرة أشهر ، ولتسع سنين من ملكه نفى  يوحنا الحواري كاتب الإنجيل  إلى جزيرة في البحر ثم رده . 
ثم ملك  نرواس  سنة وخمسة أشهر . 
ثم ملك  طرايانوس  تسع عشرة سنة ، وفي السادسة من ملكه توفي  يوحنا كاتب الإنجيل  بمدينة أفسيس    . 
ثم ملك إيليا  أندريانوس  عشرين سنة ، وقتل من اليهود  والنصارى  خلقا كثيرا لخلاف كان منهم عليه ، وأخرب البيت المقدس  ، وهو آخر خرابه ، فلما مضى من ملكه ثماني سنين عمره أيضا وسماه إيليا  ، فبقي الاسم عليه فكان قبل ذلك يسمى أورشلم  ، وأسكن المدينة جماعة من الروم  واليونان  ، وبنى هيكلا عظيما للزهرة ، وكان عالي البنيان ، فهدم من أعلاه كثير . 
وهو باق إلى يومنا هذا ، وهو سنة ثلاث وستمائة ، وقد رأيته ، وهو محكم البناء ، ولا أدري كيف نسب إلى داود  وقد بني بعده بدهر طويل ، على أنني سمعت بالبيت المقدس  من جماعة يذكرون أن داود  بناه وكان يتفرغ فيه لعبادته . 
وفي أيام هذا الملك كان  ساقيدس الفيلسوف  الصامت . 
 [ ص: 294 ] ثم ملك  أنطنينس بيوس  اثنتين وعشرين سنة ، وفي أيامه كان  بطليموس  صاحب المجسطي والجغرافيا وغيرهما . 
وقيل : إنه من ولد  قلوديوس  ، ولهذا قيل له  القلودي  نسبة إليه ، وهو السادس من ملوك الروم    . ودليل كونه في هذا الزمان وليس من ملوك اليونان  أنه ذكر في كتاب المجسطي أنه رصد الشمس بالإسكندرية  سنة ثمانمائة وثمانين  لبختنصر  ، وكان من ملك  بختنصر  إلى قتل دارا أربعمائة وتسع وعشرون سنة وثلاثمائة وستة عشر يوما ، ومن قتل دارا إلى زوال ملك قلوبطرة  الملكة آخر ملوك اليونان  على يد  أوغسطس  مائتا سنة وست وثمانون سنة ، ومذ غلبة  أوغسطس  إلى  أنطنينوس  مائة وسبع وستون سنة ، فمذ ملك  بختنصر  إلى  أدريانوس  ثمانمائة وثلاث وثمانون سنة تقريبا ، وهذا موافق لما حكاه  بطليموس     . 
قال : ومن زعم أن ابن قلوبطرة  آخر ملوك اليونانيين  فقد أبطل ذكر هذا بعض العلماء بالتاريخ وعد ملوك اليونان  وذكر مدة ملكهم على ما قال ، وأما   أبو جعفر الطبري  فإنه ذكر في مدة ملكهم مائتي سنة وسبعا وعشرين سنة ، على ما تقدم ذكره . 
ثم ملك بعده  مرقس  ، ويسمى  أورليوس  ، تسع عشرة سنة ، وفي ملكه أظهر  ابن ديصان  مقالته ، وكان أسقفا بالرهاء  ، وهو من القائلين بالاثنين ، ونسب إلى نهر على باب الرهاء  يسمى ديصان  وجد عليه منبوذا ، وبنى على هذا النهر كنيسة . 
ثم ملك  قومودوس  اثنتي عشرة سنة ، وفي أيامه كان  جالينوس  قد أدرك   [ ص: 295 ] بطليموسالقلودي  ، وكان دين النصرانية قد ظهر في أيامه وذكرهم في كتابه : في جوامع كتاب  أفلاطون  في السياسة . 
ثم ملك  برطينقش  ثلاثة أشهر ، ثم ملك  يوليانوس  شهرين ، ثم ملك  سيوارس  سبع عشرة سنة ، وشمل اليهود  والنصارى  في أيامه القتل والتشريد ، وبنى بالإسكندرية  هيكلا عظيما سماه هيكل الآلهة . 
ثم ملك  أنطونيوس  ست سنين ، ثم ملك  مقرونيوس  سنة وشهرين ، ثم ملك  أنطونيوس  الثاني أربع سنين ، ثم ملك  الأكصندروس  ، ويلقب  مامياس  ثلاث عشرة سنة ، ثم ملك  مقسميانوس  ثلاث سنين ، ثم ملك  مقسموس  ثلاثة أشهر ، ثم ملك  غرديانوس  ست سنين ، ثم ملك  فيلبوس  ست سنين ، وتنصر وترك دين الصابئين  وتبعه كثير من أهل مملكته واختلفوا لذلك ، وكان فيمن خالفه بطريق يقال له  داقيوس  ، قتل  فيلبوس  واستولى على الملك .   [ ص: 296 ] ثم ملك بعد  فيلبوس  داقيوس  سنتين وتتبع النصارى  ، فهرب منه أصحاب الكهف  إلى غار في جبل شرقي مدينة أفسيس  ، وقد خربت المدينة ، وكان لبثهم فيه مائة وخمسين سنة . 
وهذا باطل لأنه على هذا السياق من حين رفع المسيح  إلى الآن نحو مائتي سنة وخمس عشرة سنة ، وكان لبث أصحاب الكهف على ما نطق به القرآن المجيد ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا فذلك خمسمائة سنة وأربع وعشرون سنة ، فعلى هذا يكون ظهورهم قبل الإسلام بنحو ستين سنة ، وقد ذكرنا من لدن ظهورهم إلى الهجرة زيادة على مائتي سنة ، فهذه الجملة أكثر من الفترة بين المسيح  والنبي - عليهما الصلاة والسلام - إلا أن هذا الناقل قد ذكر أن غيبتهم كانت مائة وخمسين سنة على ما نراه مذكورا ، وفيه مخالفة للقرآن ، ولولا نص القرآن لكان استقام له ما يريد . 
ثم ملك بعده  غاليوس  سنتين ، وكان شريكه في الملك  يوليانوس  ، ملك خمس عشرة سنة ، ثم ملك  قلوديوس  ، ثم ملك ابنه  أورليانوس  ست سنين ، ثم ملك  طافسطوس  وأخوه  فورس  تسعة أشهر ، ثم  بروبس  تسع سنين .   [ ص: 297 ] ثم ملك  قاروس  سنتين وخمسة أشهر ، ثم ملك  دقلطيانوس  سبع عشرة سنة ، ثم ملك  مقسيمانوس  وشاركه  مقسنطيوس  ، ثم اقتتلا فاقتسما الملك ، فملك الأب على الشام  وبلاد الجزيرة  وبعض الروم  ، وملك الابن رومية  وما اتصل بها من أرض الفرنج ، وملكا تسع سنين ، وتملك معهما  قسطنس  أبو  قسطنطين  بلاد بوزنطيا  وما يليها ، وهي نواحي القسطنطينية  ، ولم تكن بنيت حينئذ ، ثم مات  قسطنس  وملك بعده ابنه  قسطنطين  المعروف بأمه هيلانى  ، وهو الذي تنصر . 
قال : ومن أول ملوك الروم  إلى هاهنا كانوا شبيها بملوك الطوائف ، لا ينضبط عددهم ، وقد اختلف الناس فيهم كاختلافهم في ملوك الطوائف ، وإنما الذي يعول عليه من  قسطنطين  إلى  هرقل  الذي بعث محمد    - صلى الله عليه وسلم - في أيامه ، ولقد صدق قائل هذا فإن فيه من الاختلاف والتناقض ما ذكرنا بعضه عند ذكر  دقيوس  وأصحاب الكهف ، ولهذه العلة لم يذكر   الطبري  أصحاب الكهف في زمان أي الملوك كانوا ، وإنما ذكرناه نحن لما في أيام الملوك من الحوادث . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					