[ ص: 102 ]   100 
ثم دخلت سنة مائة 
ذكر خروج  شوذب الخارجي   
في هذه السنة خرج  شوذب  ، واسمه  بسطام  ، من بني يشكر  ، في جوخى  ، وكان في ثمانين رجلا ، فكتب   عمر بن عبد العزيز  إلى  عبد الحميد  عامله بالكوفة  أن لا يحركهم حتى يسفكوا دماء ، ويفسدوا في الأرض ، فإن فعلوا وجه إليهم رجلا صليبا حازما في جند . 
فبعث  عبد الحميد  محمد بن جرير بن عبد الله البجلي  في ألفين وأمره بما كتب به  عمر  ، وكتب  عمر  إلى  بسطام  يسأله عن مخرجه ، فقدم كتاب  عمر  عليه وقد قدم   محمد بن جرير  ، فقام بإزائه لا يتحرك . 
فكان في كتاب  عمر     : بلغني أنك خرجت غضبا لله ولرسوله ، ولست أولى بذلك مني ، فهلم إلي أناظرك ، فإن كان الحق بأيدينا دخلت فيما دخل الناس ، وإن كان في يدك نظرنا في أمرك . 
فكتب  بسطام  إلى  عمر     : قد أنصفت وقد بعثت إليك رجلين يدارسانك ويناظرانك . وأرسل إلى  عمر  مولى لبني شيبان  حبشيا اسمه  عاصم  ، ورجلا من بني يشكر  ، فقدما على  عمر  بخناصرة  ، فدخلا إليه ، فقال لهما : ما أخرجكما هذا المخرج ، وما الذي نقمتم ؟ فقال  عاصم     : ما نقمنا سيرتك ، إنك لتتحرى العدل والإحسان ، فأخبرنا عن قيامك بهذا الأمر ، أعن رضى من الناس ومشورة ، أم ابتززتم أمرهم ؟ 
فقال  عمر     : ما سألتهم الولاية عليهم ، ولا غلبتهم عليها ، وعهد إلي رجل كان   [ ص: 103 ] قبلي فقمت ولم ينكره علي أحد ، ولم يكرهه غيركم ، وأنتم ترون الرضا بكل من عدل وأنصف من كان من الناس ، فاتركوني ذلك الرجل ، فإن خالفت الحق ورغبت عنه; فلا طاعة لي عليكم . 
قالا : بيننا وبينك أمر واحد . قال : ما هو ؟ قالا : رأيناك خالفت أعمال أهل بيتك ، وسميتها مظالم ، فإن كنت على هدى وهم على الضلالة ، فالعنهم وابرأ منهم . فقال  عمر     : قد علمت أنكم لم تخرجوا طلبا للدنيا ، ولكنكم أردتم الآخرة ، فأخطأتم طريقها ، إن الله ، عز وجل ، لم يبعث رسوله ، صلى الله عليه وسلم ، لعانا ، وقال إبراهيم    : فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم    . وقال الله ، عز وجل : أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده    . وقد سميت أعمالهم ظلما ، وكفى بذلك ذما ونقصا ، وليس لعن أهل الذنوب فريضة لا بد منها ، فإن قلتم إنها فريضة فأخبرني متى لعنت فرعون ؟ قال : ما أذكر متى لعنته . قال : أفيسعك أن لا تلعن فرعون وهو أخبث الخلق وشرهم ، ولا يسعني أن لا ألعن أهل بيتي وهم مصلون صائمون ! قال : أما هم كفار بظلمهم ؟ قال : لا ، لأن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، دعا الناس إلى الإيمان ، فكان من أقر به وبشرائعه قبل منه ، فإن أحدث حدثا أقيم عليه الحد . 
فقال الخارجي : إن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، دعا الناس إلى توحيد الله والإقرار بما نزل من عنده . قال  عمر     : فليس أحد منهم يقول : لا أعمل بسنة رسول الله ، ولكن القوم أسرفوا على أنفسهم على علم منهم أنه محرم عليهم ، ولكن غلب عليهم السفاء . قال  عاصم     : فابرأ مما خالف عملك ورد أحكامهم . قال  عمر     : أخبراني عن  أبي بكر  وعمر  ، أليسا على حق ؟ قالا : بلى . قال : أتعلمان أن  أبا بكر  حين قاتل أهل الردة سفك دماءهم ، وسبى الذراري ، وأخذ الأموال ؟ قالا : بلى . قال : أتعلمان أن  عمر  رد السبايا بعده إلى عشائرهم بفدية ؟ قالا : نعم . قال : فهل  عمر  من  أبي بكر  ؟ قالا : لا . قال : أفتبرءون أنتم من واحد منهما ؟ قالا : لا . قال : فأخبراني عن أهل النهروان  وهم أسلافكم ، هل تعلمان أن أهل الكوفة  خرجوا فلم يسفكوا دما ، ولم يأخذوا مالا ، وأن من خرج إليهم من أهل البصرة  قتلوا  عبد الله بن خباب  وجاريته وهي حامل ؟ قالا : نعم . قال : فهل برئ من لم يقتل ممن قتل واستعرض ؟ قالا : لا : أفتبرءون أنتم من أحد من الطائفتين ؟ ( قالا : لا ) . قال : أفيسعكم أن تتولوا  أبا بكر  وعمر  وأهل البصرة  وأهل الكوفة  ، وقد علمتم   [ ص: 104 ] اختلاف أعمالهم ، ولا يسعني إلا البراءة من أهل بيتي والدين واحد ! فاتقوا الله ! فإنكم جهال ، تقبلون من الناس ما رد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتردون عليهم ما قبل ، ويأمن عندكم من خاف عنده ، ويخاف عندكم من أمن عنده ، فإنكم يخاف عندكم من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، وكان من فعل ذلك عند رسول الله آمنا وحقن دمه وماله ، وأنتم تقتلونه ، ويأمن عندكم سائر أهل الأديان ، فتحرمون دماءهم وأموالهم . 
قال اليشكري : أرأيت رجلا ولي قوما وأموالهم ، فعدل فيها ، ثم صيرها بعده إلى رجل غير مأمون ، أتراه أدى الحق الذي يلزمه لله ، عز وجل ، أو تراه قد سلم ؟ قال : لا . قال : أفتسلم هذا الأمر إلى  يزيد  من بعدك ، وأنت تعرف أنه لا يقوم فيه بالحق ؟ قال : إنما ولاه غيري والمسلمون أولى بما يكون منهم فيه بعدي . قال : أفترى ذلك من صنع من ولاه حقا ؟ فبكى  عمر  وقال : أنظراني ثلاثا . 
فخرجا من عنده ثم عادا إليه ، فقال  عاصم     : أشهد أنك على حق . فقال  عمر  لليشكري : ما تقول أنت ؟ قال : ما أحسن ما وصفت ، ولكني لا أفتات على المسلمين بأمر ، اعرض عليهم ما قلت واعلم ما حجتهم . 
فأما  عاصم  فأقام عند  عمر  ، فأمر له  عمر  بالعطاء ، فتوفي بعد خمسة عشر يوما . فكان   عمر بن عبد العزيز  يقول : أهلكني أمر  يزيد  وخصمت فيه ، فأستغفر الله   . 
فخاف بنو أمية  أن يخرج ما بأيديهم من الأموال ، وأن يخلع  يزيد  من ولاية العهد ، فوضعوا على  عمر  من سقاه سما ، فلم يلبث بعد ذلك إلا ثلاثا حتى مرض ومات ،   ومحمد بن جرير  مقابل الخوارج  لا يتعرض إليهم ولا يتعرضون إليه ، كل منهم ينتظر عود الرسل من عند   عمر بن عبد العزيز  ، فتوفي والأمر على ذلك . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					