ثم دخلت سنة أربع عشرة ومائتين
ذكر محمد الطوسي قتل
فيها قتل محمد بن حميد الطوسي ، قتله بابك الخرمي ، وسبب ذلك أنه لما فرغ من أمر المتغلبين على طريقه إلى بابك سار نحوه وقد جمع العساكر والآلات والميرة ، فاجتمع معه عالم كثير من المتطوعة من سائر الأمصار ، فسلك المضايق إلى بابك ، وكان كلما جاوز مضيقا أو عقبة ترك عليه من يحفظه من أصحابه إلى أن نزل بهشتادسر ، وحفر خندقا ، وشاور في دخول بلد بابك ، فأشاروا عليه بدخوله من وجه ذكروه له ، فقبل رأيهم ، وعبى أصحابه ، وجعل على القلب محمد بن يوسف بن عبد الرحمن الطائي ، المعروف بأبي سعيد ، وعلى الميمنة السعدي بن أصرم ، وعلى الميسرة العباس بن عبد الجبار اليقطيني ، ووقف خلفهم في جماعة ينظر إليهم ، ويأمرهم بسد خلل إن رآه ، فكان محمد بن حميد بابك يشرف عليهم من الجبل ، وقد كمن لهم من الرجال تحت كل صخرة .
فلما تقدم أصحاب محمد ، وصعدوا في الجبل مقدار ثلاثة فراسخ ، خرج عليهم الكمناء ، وانحدر بابك إليهم فيمن معه ، وانهزم الناس ، فأمرهم أبو سعيد ومحمد بن حميد بالصبر ، فلم يفعلوا ، ومروا على وجوههم ، والقتل يأخذهم ، وصبر مكانه ، وفر من كان معه غير رجل واحد ، وسارا يطلبان الخلاص ، فرأى جماعة وقتالا ، فقصدهم ، فرأى ( محمد بن حميد الخرمية يقاتلون طائفة من أصحابه ، فحين رآه الخرمية قصدوه لما رأوا من حسن ) هيئته ، فقاتلهم وقاتلوه ، وضربوا فرسه بمزراق ، فسقط إلى الأرض ، [ ص: 561 ] وأكبوا على فقتلوه . محمد بن حميد
وكان محمد ممدحا جوادا ، فرثاه الشعراء وأكثروا ، منهم الطائي ، فلما وصل خبر قتله إلى عظم ذلك عنده ، واستعمل المأمون على قتال عبد الله بن طاهر بابك ، فسار نحوه .
ذكر أبي دلف مع المأمون
كان حال أبو دلف من أصحاب ، وسار مع محمد الأمين علي بن عيسى بن ماهان إلى حرب ، فلما قتل طاهر بن الحسين علي عاد أبو دلف إلى همذان ، فراسله طاهر يستميله ، ويدعوه إلى بيعة ، فلم يفعل ، وقال : إن في عنقي بيعة لا أجد إلى فسخها سبيلا ، ولكني سأقيم مكاني لا أكون مع أحد الفريقين إن كففت عني . فأجابه إلى ذلك ، فأقام المأمون بكرج .
فلما خرج إلى المأمون الري راسل أبا دلف يدعوه إليه ، فسار نحوه مجدا وهو خائف شديد الوجل ، فقال له أهله وقومه وأصحابه : أنت سيد العرب ، وكلها تطيعك ، فإن كنت خائفا فأقم ، ونحن نمنعك . فلم يفعل ، وسار وهو يقول :
أجود بنفسي دون قومي دافعا لما نابهم قدما وأغشى الدواهيا وأقتحم الأمر المخوف اقتحامه
لأدرك مجدا أو أعاود ثاويا
وهي أبيات حسنة ، فلما وصل إلى أكرمه ، وأحسن إليه وأمنه ، وأعلى منزلته . المأمون
ذكر على عبد الله بن طاهر خراسان استعمال
في هذه السنة استعمل المأمون على عبد الله بن طاهر خراسان ، فسار إليها .
وكان سبب مسيره إليها أن أخاه طلحة لما مات ولي خراسان علي بن طاهر خليفة [ ص: 562 ] لأخيه عبد الله ، وكان عبد الله بالدينور يجهز العساكر إلى بابك ، وأوقع الخوارج بخراسان بأهل قرية الحمراء من نيسابور ، فأكثروا فيهم القتل ، واتصل ذلك بالمأمون ، فأمر بالمسير إلى عبد الله بن طاهر خراسان ، فسار إليها ، فلما قدم نيسابور كان أهلها قد قحطوا فمطروا قبل وصوله إليها بيوم واحد ، فلما دخلها قام إليه رجل بزاز فقال :
قد قحط الناس في زمانهم حتى إذا جئت جئت بالدرر
غيثان في ساعة لنا قدما فمرحبا بالأمير والمطر
فأحضره عبد الله وقال له : أشاعر أنت ؟ قال : لا ، ولكني سمعتها بالرقة فحفظتها . فأحسن إليه ، وجعل إليه أن لا يشترى له شيء من الثياب إلا بأمره .
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة خرج بلال ( الغساني الشاري ) ، فوجه إليه ابنه المأمون العباس في جماعة من القواد ، فقتل بلال .
وفيها قتل أبو الرازي باليمن .
وفيها تحرك جعفر بن داود القمي ، فظفر به عزيز مولى عبد الله بن طاهر ، وكان هرب من مصر فرد إليها .
وفيها ولي علي بن هشام الجبل ، وقم ، وأصبهان ، وأذربيجان .
( وفيها توفي إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب - عليه السلام - بالمغرب ، وقام بعده ابنه محمد بأمر مدينة فاس ، فولى أخاه القاسم البصرة وطنجة وما يليهما ، واستعمل باقي إخوته على مدن البربرة .
وفيها سار عبد الرحمن الأموي صاحب الأندلس إلى مدينة باجة ، وكانت عاصية عليه من حين فتنة منصور إلى الآن ، فملكها عنوة .
[ ص: 563 ] وفيها خالف هاشم الضراب بمدينة طليطلة ، من الأندلس ، على صاحبها عبد الرحمن ، وكان هاشم ممن خرج من طليطلة [ لما ] أوقع الحكم بأهلها ، فسار إلى قرطبة ، فلما كان الآن سار إلى طليطلة ، فاجتمع إليه أهل الشر وغيرهم ، فسار بهم إلى وادي نحوييه ، وأغار على البربر وغيرهم ، فطار اسمه ، واشتدت شوكته ، واجتمع له جمع عظيم ، وأوقع بأهل شنت برية .
وكان بينه وبين البربر وقعات كثيرة ، فسير إليه عبد الرحمن هذه السنة جيشا ، فقاتلوه ، فلم تستظهر إحدى الطائفتين على الأخرى ، وبقي هشام كذلك ، وغلب على عدة مواضع ، وجاوز بركة العجوز ، وأخذت غارة خيله ، فسير إليه عبد الرحمن جيشا كثيفا سنة ست عشرة ومائتين ، فلقيهم هاشم بالقرب من حصن سمسطا بمجاورة رورية ، فاشتدت الحرب بينهم ، ودامت عدة أيام ، ثم انهزم هاشم ، وقتل هو وكثير ممن معه من أهل الطمع والشر وطالبي الفتن ، وكفى الله الناس شرهم ) .
وحج بالناس إسحاق بن العباس بن محمد .
[ ] الوفيات
وفيها توفي . أبو عاصم النبيل ، واسمه الضحاك بن مخلد الشيباني ، وهو إمام في الحديث
وفيها توفي أبو أحمد حسين بن محمد البغداذي .