[ ص: 684 ]   416 
ثم دخلت سنة ست عشرة وأربعمائة 
ذكر فتح سومنات   
في هذه السنة فتح  يمين الدولة  في بلاد الهند  عدة حصون ومدن ، وأخذ الصنم المعروف بسومنات ، وهذا الصنم كان أعظم أصنام الهند  ، وهم يحجون إليه كل ليلة خسوف ، فيجتمع عنده ما ينيف على مائة ألف إنسان ، وتزعم الهنود  أن الأرواح إذا فارقت الأجسام ( اجتمعت إليه ) على مذهب التناسخ ، فينشئها فيمن شاء ، وأن المد والجزر الذي عنده إنما هو عبادة البحر على قدر استطاعته . 
وكانوا يحملون إليه كل علق نفيس ، ويعطون سدنته كل مال جزيل ، وله من الموقوف ما يزيد على عشرة آلاف قرية ، وقد اجتمع في البيت الذي هو فيه من نفيس الجوهر ما لا تحصى قيمته . 
ولأهل الهند   نهر كبير يسمى كنك يعظمونه غاية التعظيم ، ويلقون فيه عظام من يموت من كبرائهم ، ويعتقدون أنها تساق إلى جنة النعيم . 
وبين هذا النهر وبين سومنات  نحو مائتي فرسخ ، وكان يحمل من مائه كل يوم إلى سومنات  ما يغسل به ، ويكون عنده من البرهميين  كل يوم ألف رجل لعبادته   [ ص: 685 ] وتقديم الوفود إليه ، وثلاثمائة رجل يحلقون رءوس زواره ولحاهم ، وثلاثمائة رجل وخمسمائة أمة يغنون ويرقصون على باب الصنم ، ولكل واحد من هؤلاء شيء معلوم كل يوم . 
وكان  يمين الدولة  كلما فتح من الهند  فتحا ، وكسر صنما يقول الهنود    : إن هذه الأصنام قد سخط عليها سومنات ، ولو أنه راض عنها لأهلك من تقصدها بسوء ، فلما بلغ ذلك  يمين الدولة  عزم على غزوه وإهلاكه ظنا منه أن الهنود  إذا فقدوه ، ورأوا كذب ادعائهم الباطل ، دخلوا في الإسلام فاستخار الله تعالى وسار عن غزنة  عاشر شعبان من هذه السنة ، في ثلاثين ألف فارس من عساكره سوى المتطوعة ، وسلك سبيل الملتان  ، فوصلها منتصف شهر رمضان . 
وفي طريقه إلى الهند  برية قفر ، لا ساكن فيها ، ولا ماء ، ولا ميرة . فتجهز هو وعسكره على قدرها ، ثم زاد بعد الحاجة عشرين ألف جمل تحمل الماء والميرة ، وقصد أنهلوارة  ، فلما قطع المفازة رأى في طرفها حصونا مشحونة بالرجال ، وعندها آبار قد غوروها ليتعذر عليه حصرها ، فيسر الله تعالى فتحها عند قربه منها بالرعب الذي قذفه في قلوبهم ، وتسلمها ، وقتل سكانها وأهلك أوثانها ، وامتاروا منها الماء وما يحتاجون إليه . 
وسار إلى أنهلوارة  فوصلها مستهل ذي القعدة ، فرأى صاحبها المدعو  بهيم  قد أجفل عنها وتركها وأمعن في الهرب ، وقصد حصنا له يحتمي به فاستولى  يمين الدولة  على المدينة ، وسار إلى سومنات  ، فلقي في طريقه عدة حصون فيها كثير من الأوثان شبه الحجاب والنقباء لسومنات ، على ما سول لهم الشيطان ، فقاتل من بها ، وفتحها وخربها ، وكسر أصنامها ، وسار إلى سومنات  في مفازة قفرة قليلة الماء ، فلقي فيها عشرين ألف مقاتل من سكانها لم يدينوا للملك ، فأرسل إليهم السرايا ، فقاتلوهم   [ ص: 686 ] فهزموهم وغنموا مالهم ، وامتاروا من عندهم ، وساروا حتى بلغوا دبولوارة  ، وهي على مرحلتين من سومنات  ، وقد ثبت أهلها له ظنا منهم أن سومنات يمنعهم ويدفع عنهم ، فاستولى عليها ، وشل رجالها ، وغنم أموالها ، وسار عنها إلى سومنات  ، فوصلها يوم الخميس منتصف ذي القعدة فرأى حصنا حصينا مبنيا على ساحل البحر بحيث تبلغه أمواجه ، وأهله على الأسوار يتفرجون على المسلمين ، واثقين أن معبودهم يقطع دابرهم ويهلكهم . 
فلما كان الغد ، هو الجمعة ، زحف وقاتل من به ، فرأى الهنود  من المسلمين قتالا لم يعهدوا مثله ، ففارقوا السور فنصب المسلمون عليه السلالم ، وصعدوا إليه وأعلنوا بكلمة الإخلاص ، وأظهروا شعار الإسلام ، فحينئذ اشتد القتال ، وعظم الخطب وتقدم جماعة الهنود  إلى سومنات ، فعفروا له خدودهم ، وسألوه النصر ، وأدركهم الليل فكف بعضهم عن بعض . 
فلما كان الغد بكر المسلمون إليهم وقاتلوهم ، فأكثروا في الهنود  القتل ، وأجلوهم عن المدينة إلى بيت صنمهم سومنات ، فقاتلوا على بابه أشد قتال ، وكان الفريق منهم بعد الفريق يدخلون إلى سومنات فيعتنقونه ويبكون ، ويتضرعون إليه ، ويخرجون فيقاتلون إلى أن يقتلوا ، حتى كاد الفناء يستوعبهم ، فبقي منهم القليل ، فدخلوا البحر إلى مركبين لهم لينجوا فيهما ، فأدركهم المسلمون فقتلوا بعضا وغرق بعض . 
وأما البيت الذي فيه سومنات فهو مبني على ست وخمسين سارية من الساج المصفح بالرصاص ، وسومنات من حجر طوله خمسة أذرع : ثلاثة مدورة ظاهرة ، وذراعان في البناء ، وليس بصورة مصورة ، فأخذه  يمين الدولة  فكسره ، وأحرق بعضه ، وأخذ بعضه معه إلى غزنة  ، فجعله عتبة الجامع . 
وكان بيت الصنم مظلما ، وإنما الضوء الذي عنده من قناديل الجوهر الفائق ، وكان عنده سلسلة ذهب فيها جرس ، ووزنها مائتا من ، كلما مضى طائفة معلومة من   [ ص: 687 ] الليل حركت السلسلة فيصوت الجرس فيقوم طائفة من البرهميين  إلى عبادتهم ، وعنده خزانة فيها عدد من الأصنام الذهبية والفضية ، وعليها الستور المعلقة المرصعة بالجوهر ، كل واحد منها منسوب إلى عظيم من عظمائهم ، وقيمة ما في البيوت تزيد على عشرين ألف ألف دينار ، فأخذ الجميع ، وكانت عدد القتلى تزيد على خمسين ألف قتيل . 
ثم إن  يمين الدولة  ورد عليه الخبر أن  بهيم  صاحب أنهلوارة  قد قصد قلعة تسمى كندهة  في البحر ، بينها وبين البر من جهة سومنات  أربعون فرسخا ، فسار إليها  يمين الدولة  من سومنات  ، فلما حاذى القلعة رأى رجلين من الصيادين ، فسألهما عن خوض البحر هناك ، فعرفاه أنه يمكن خوضه لكن إن تحرك الهواء يسيرا غرق من فيه . فاستخار الله تعالى ، وخاضه هو ومن معه فخرجوا سالمين ، فرأوا  بهيم  وقد فارق قلعته وأخلاها فعاد عنها ، وقصد المنصورة  ، وكان صاحبها قد ارتد عن الإسلام ، فلما بلغه خبر مجيء  يمين الدولة  فارقها واحتمى بغياض أشبة  ، فقصده  يمين الدولة  من موضعين ، فأحاط به وبمن معه ، فقتل أكثرهم ، وغرق منهم كثير ، ولم ينج منهم إلا القليل . 
ثم سار إلى بهاطية  ، فأطاعه أهلها ، ودانوا له ، فرحل إلى غزنة  ، فوصلها عاشر صفر من سنة سبع عشرة وأربعمائة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					