[ ص: 9 ] 87
ثم دخلت سنة سبع وثمانين
ذكر عمر بن عبد العزيز بالمدينة إمارة
وفي هذه السنة عزل الوليد هشام بن إسماعيل عن المدينة لسبع ليال خلون من ربيع الأول ، وكانت إمارته عليها أربع سنين غير شهر أو نحوه ، وولى عمر بن عبد العزيز المدينة ، فقدمها واليا في ربيع الأول ، وثقله على ثلاثين بعيرا ، فنزل دار مروان ، وجعل يدخل عليه الناس فيسلمون ، فلما صلى الظهر دعا عشرة من الفقهاء الذين في المدينة : ، عروة بن الزبير وأبا بكر بن سليمان بن أبي خيثمة ، وعبيد الله بن عتبة بن مسعود ، وأبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ، ، وسليمان بن يسار ، والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بن عمرو ، وعبد الله بن عبيد الله بن عمر ، ، وعبد الله بن عامر بن ربيعة ، فدخلوا عليه ، فقال لهم : إنما دعوتكم لأمر تؤجرون عليه ، وتكونون فيه أعوانا على الحق ، لا أريد أن أقطع أمرا إلا برأيكم أو برأي من حضر منكم ، فإن رأيتم أحدا يتعدى ، أو بلغكم عن عامل لي ظلامة فأحرج الله على من بلغه ذلك إلا بلغني . فخرجوا يجزونه خيرا وافترقوا . وخارجة بن زيد
وكتب الوليد إلى يأمره أن يقف عمر بن عبد العزيز هشام بن إسماعيل للناس ، وكان سيئ الرأي فيه ، وكان هشام بن إسماعيل يسيء جوار علي بن الحسين ، فخافه هشام ، فتقدم علي بن الحسين إلى خاصته ألا يعرض له أحد بكلمة ، ومر به علي وقد وقف للناس ولم يعرض له ، فناداه هشام : الله أعلم حيث يجعل رسالته .
ذكر قتيبة ونيزك صلح
ولما صالح قتيبة ملك شومان كتب إلى نيزك طرخان صاحب باذغيس في إطلاق من عنده من أسراء المسلمين ، وكتب إليه يتهدده ، فخافه نيزك فأطلق الأسرى وبعث بهم [ ص: 10 ] إليه ، وكتب إليه قتيبة مع سليم الناصح مولى عبيد الله بن أبي بكرة يدعوه إلى الصلح وإلى أن يؤمنه ، وكتب إليه يحلف بالله لئن لم يقدم عليه ليغزونه ثم ليطلبنه حيث كان ، حتى يظفر به أو يموت دونه .
فقدم سليم بالكتاب ، فقال له نيزك ، وكان يستنصحه : يا سليم ما أظن عند صاحبك خيرا ، كتب إلي كتابا لا يكتب إلى مثلي . فقال له سليم : إنه رجل شديد في سلطانه ، سهل إذا سوهل ، صعب إذا عوسر ، فلا يمنعك منه غلظة كتابه إليك ، فأحسن حالك عنده . فقام نيزك مع سليم ، فصالحه أهل باذغيس على أن لا يدخلها قتيبة .
ذكر الروم قيل : وفي هذه السنة غزا غزو مسلمة بن عبد الملك الروم ، فقتل منهم عددا كثيرا بسوسنة من ناحية المصيصة ، وفتح حصونا . وقيل : إن الذي غزا في هذه السنة ففتح هشام بن عبد الملك حصن بولق وحصن الأخرم وحصن بولس وقمقم ، وقتل من المستعربة نحوا من ألف مقاتل ، وسبى ذريتهم ونساءهم .
ذكر قتيبة بيكند ولما صالح غزو قتيبة نيزك أقام إلى وقت الغزو ، فغزا بيكند سنة سبع وثمانين ، وهي أدنى مدائن بخارى إلى النهر ، فلما نزل بهم استنصروا الصغد ، واستمدوا من حولهم ، فأتوهم في جمع كثير ، وأخذوا الطرق على قتيبة ، فلم ينفذ لقتيبة رسول ، ولم يصل إليه خبر شهرين ، وأبطأ خبره على الحجاج فأشفق على الجند ، فأمر الناس بالدعاء لهم في المساجد ، وهم يقتتلون كل يوم .
وكان لقتيبة عين من العجم ، يقال له تندر ، فأعطاه أهل بخارى مالا ليرد عنهم قتيبة ، فأتاه فقال له سرا من الناس : إن الحجاج قد عزل ، وقد أتى عامل إلى خراسان ، فلو رجعت بالناس كان أصلح . فأمر به فقتل خوفا من أن يظهر الخبر فيهلك الناس ، ثم [ ص: 11 ] أمر أصحابه بالجد في القتال ، فقاتلهم قتالا شديدا ، فانهزم الكفار يريدون المدينة وتبعهم المسلمون قتلا وأسرا كيف شاءوا ، وتحصن من دخل المدينة بها ، فوضع قتيبة الفعلة ليهدم سورها ، فسألوه الصلح ، فصالحهم واستعمل عليهم عاملا ، وارتحل عنهم يريد الرجوع ، فلما سار خمسة فراسخ نقضوا الصلح وقتلوا العامل ومن معه ، فرجع قتيبة فنقب سورهم فسقط ، فسألوه الصلح ، فلم يقبل ، ودخلها عنوة ، وقتل من كان بها من المقاتلة .
وكان فيمن أخذوا في المدينة رجل أعور هو الذي استجاش الترك على المسلمين ، فقال لقتيبة : أنا أفدي نفسي بخمسة آلاف حريرة ، قيمتها ألف ألف . فاستشار قتيبة الناس فقالوا : هذه زيادة في الغنائم ، وما عسى أن يبلغ كيد هذا ، قال : لا والله لا يروع بك مسلم أبدا ! فأمر به فقتل .
وأصابوا فيها من الغنائم والسلاح ، وآنية الذهب والفضة ما لا يحصى ، ولا أصابوا بخراسان مثله ، فقوي المسلمون ، وولي قسم الغنائم عبد الله بن وألان العدوي أحد بني ملكان ، وكان قتيبة يسميه الأمين ابن الأمين ، فإنه كان أمينا .
وكان من حديث أمانة أبيه أن مسلما الباهلي أبا قتيبة قال لوألان : إن عندي مالا أحب أن أستودعكه ولا يعلم به أحد . قال وألان : ابعث به مع رجل تثق به إلى موضع كذا وكذا ، ومره إذا رأى في ذلك الموضع رجلا أن يضع المال وينصرف . فجعل مسلم المال في خرج ، وحمله على بغل ، وقال لمولى له : انطلق بهذا المال إلى موضع كذا وكذا ، فإذا رأيت رجلا جالسا ، فخل البغل وانصرف . ففعل المولى ما أمره ، وأتى المكان ، وكان وألان قد سبقه إليه وانتظر ، وأبطأ عليه رسول مسلم ، فظن أنه قد بدا له فانصرف ، وجاء رجل من بني تغلب فجلس في ذلك المكان ، وجاء مولى مسلم فرآه فسلم إليه البغل ورجع ، فأخذ التغلبي البغل والمال ورجع إلى منزله ، وظن مسلم أن المال قد أخذه وألان ، فلم يسأله حتى احتاج إليه ، فلقيه فقال : مالي ! فقال : ما قبضت شيئا ، ولا لك عندي مال ، فكان مسلم يشكوه إلى الناس ، فشكاه يوما والتغلبي جالس ، فخلا به التغلبي ، وسأله عن المال ، فأخبره ، فانطلق به إلى منزله ، وسلم المال إليه وأخبره الخبر ، فكان مسلم يأتي الناس والقبائل ، فيذكر لهم عذر وألان ويخبرهم الخبر .
قال : فلما فرغ قتيبة من فتح بيكند رجع إلى مرو .
[ ص: 12 ] ذكر عدة حوادث
حج بالناس هذه السنة ، وهو أمير عمر بن عبد العزيز المدينة .
المدينة أبو بكر بن عمر بن حزم . وكان على قضاء العراق وخراسان الحجاج ، وكان خليفته على البصرة هذه السنة الجراح بن عبد الله الحكمي ، وعلى قضائها وكان على عبد الله بن أذينة ، وكان على قضاء الكوفة أبو بكر بن موسى الأشعري .
[ الوفيات ]
وفيها عبيد الله بن عباس بالمدينة ، وقيل مات باليمن ، وكان أصغر من عبد الله بسنة .
وفيها مطرف بن عبد الله بن الشخير في طاعون الجارف مات بالبصرة .
وفيها ، له صحبة المقدام بن معد يكرب الكندي ، وقيل مات سنة إحدى وتسعين . مات
وفيها أمية بن عبد الله بن أسيد . مات
( أسيد : بفتح الهمزة . الشخير : بكسر الشين والخاء المعجمتين ، وتشديد الخاء وبعدها ياء ) .