[ ص: 366 ]   189 
ثم دخلت سنة تسع وثمانين ومائة 
ذكر مسير   هارون الرشيد  إلى الري   
وفي هذه السنة سار  الرشيد  إلى الري  ، وسبب ذلك أن  الرشيد  لما استعمل  علي بن عيسى بن ماهان  على خراسان  ظلم أهلها ، وأساء السيرة فيهم ، فكتب كبراء أهلها وأشرافها إلى  الرشيد  يشكون سوء سيرته وظلمه ، واستخفافه بهم ، وأخذ أموالهم . وقيل  للرشيد     : إن  علي بن عيسى  قد أجمع على الخلاف . فسار إلى الري  في جمادى الأولى ، ومعه ابناه   عبد الله المأمون  ،  والقاسم  ، وكان قد جعله ولي عهد بعد   المأمون  ، وجعل أمره إلى   المأمون  إن شاء أقره ، وإن شاء خلعه ، وأحضر القضاة والشهود وأشهدهم أن جميع [ ما ] في عسكره من الأموال والخزائن والسلاح والكراع وغير ذلك  للمأمون  ، وليس له فيه شيء . 
وأقام  الرشيد  بالري  أربعة أشهر حتى أتاه  علي بن عيسى  من خراسان  ، فلما قدم عليه أهدى له الهدايا الكثيرة ، والأموال العظيمة ، وأهدى لجميع من معه من أهل بيته ، وولده ، وكتابه ، وقواده ، من الطرف والجواهر وغير ذلك ، ورأى  الرشيد  خلاف ما كان يظن ، فرده إلى خراسان    . 
ولما أقام  الرشيد  بالري  سير  حسينا  الخادم إلى طبرستان  ، وكتب معه أمانا  لشروين بن أبي قارن  ، وأمانا  لوندا هرمز  ، جد  مازيار  ، وأمانا  لمرزبان بن جستان  ، ( صاحب   [ ص: 367 ] الديلم  ، فقدم  جستان     )  ووندا هرمز  فأكرمهما ، وأحسن إليهما ، وضمن  وندا هرمز  السمع والطاعة ، وأداء الخراج عن  شروين     . 
ورجع  الرشيد  إلى العراق  ، ودخل بغداذ  في آخر ذي الحجة . فلما مر بالجسر أمر بإحراق جثة  جعفر بن يحيى  ، ولم ينزل بغداذ  ، ومضى من فوره إلى الرقة    . 
ولما جاز بغداذ  قال : : والله إني لأطوي مدينة ما وضع بشرق ولا غرب مدينة أيمن ولا أيسر منها ، وإنها لدار مملكة بني العباس  ما بقوا ، وحافظوا عليها ، ولا رأى أحد من آبائي سوءا ولا نكبة منها ، ولنعم الدار هي ، ولكني أريد المناخ على ناحية أهل الشقاق والنفاق والبغض لأئمة الهدى ، والحب لشجرة اللعنة بني أمية  مع ما فيها من المارقة ، والمتلصصة ، ومخيفي السبيل ، ولولا ذلك ما فارقت بغداذ    [ ما حييت ] . فقال   العباس بن الأحنف  في طي  الرشيد  بغداذ    : ما أنخنا حتى ارتحلنا فما نفرق بين المناخ والارتحال ساءلونا عن حالنا إذ قدمنا فقرنا وداعهم بالسؤال 
ذكر الفتنة بطرابلس  الغرب  
في هذه السنة كثر شغب أهل طرابلس   الغرب على ولاتهم ، وكان   إبراهيم بن الأغلب  ، أمير إفريقية  ، قد استعمل عليهم عدة ولاة ، فكانوا يشكون من ولاتهم ، فيعزلهم ، ويولي غيرهم ، فاستعمل عليهم هذه السنة  سفيان بن المضاء  ، وهي ولايته الرابعة ، فاتفق أهل البلد على إخراجه عنهم ، وإعادته إلى القيروان  ، فزحفوا إليه ، فأخذ سلاحه وقاتلهم هو وجماعة ممن معه ، فأخرجوه من داره ، فدخل المسجد الجامع ، فقاتلهم فيه ، فقتلوا أصحابه ثم أمنوه ، فخرج عنهم في شعبان من هذه السنة ، فكانت ولايته سبعا وعشرين يوما . 
واستعمل الجند الذين بطرابلس  على البلد وأهله  إبراهيم بن سفيان التميمي     . 
 [ ص: 368 ] ثم وقع بين الأبناء بطرابلس  أيضا وبين قوم يعرفون ببني أبي كنانة  وبني يوسف    - حروب كثيرة ، وقتال ، حتى فسدت طرابلس  ، فبلغ ذلك   إبراهيم بن الأغلب  ، فأرسل جمعا من الجند ، وأمرهم أن يحضروا الأبناء وبني أبي كنانة  ، وبني يوسف  ، فأحضروهم عنده بالقيروان  في ذي الحجة ، فلما قدموا عليه سألوه العفو عنهم في الذي فعلوه ، فعفا عنهم ، فعادوا إلى بلدهم . 
ذكر عدة حوادث 
فيها كان الفداء بين المسلمين والروم  ، فلم يبق بأرض الروم  مسلم إلا فودي به . 
وحج بالناس  العباس بن موسى بن عيسى بن علي بن عبد الله بن عباس     . 
وفيها ولى  الرشيد  عبد الله بن مالك  طبرستان  ، والري  ، [ والرويان    ] ، ودنباوند  ، وقومس  وهمذان  ، وهو متوجه إلى الري  ، فقال   أبو العتاهية  في مسيره إليها ، وكان  الرشيد  ولد بها : إن أمين الله في خلقه حن به البر إلى مولده ليصلح الري  وأقطارها ويمطر الخير بها من يده 
  [ الوفيات ] 
وفيها مات   محمد بن الحسن الشيباني  الفقيه ، صاحب  أبي حنيفة     .   [ ص: 369 ] وحميد بن عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي  ،  أبو عوف     .  وسابق بن عبد الله الموصلي  ، وكان من الصالحين البكائين من خشية الله - تعالى - . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					