[ ص: 243 ]   352 
ثم دخلت سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة 
ذكر عصيان أهل حران    في هذه السنة ( في صفر ) ، امتنع أهل حران   على صاحبها  هبة الله بن ناصر الدولة بن حمدان  ، وعصوا عليه . 
وسبب ذلك أنه كان متقلدا لها ولغيرها من ديار مضر  من قبل عمه  سيف الدولة  ، فعسفهم نوابه وظلموهم ، وطرحوا المتعة على التجار من أهل حران   ، وبالغوا في ظلمهم . 
وكان  هبة الله  عند عمه  سيف الدولة  بحلب  ، فثار أهلها على نوابه وطردوهم ، فسمع  هبة الله  بالخبر ، فسار إليهم وحاربهم ، وحصرهم ، فقاتلهم وقاتلوه أكثر من شهرين ، فقتل منهم خلق كثير ، فلما رأى  سيف الدولة  شدة الأمر واتصال الشر ، قرب منهم وراسلهم ، وأجابهم إلى ما يريدون ، فاصطلحوا وفتحوا أبواب البلد ، وهرب منه العيارون خوفا من  هبة الله     . 
ذكر وفاة الوزير   أبي محمد المهلبي   في هذه السنة سار الوزير   أبو محمد المهلبي وزير معز الدولة  ، في جمادى الآخرة في جيش كثيف إلى عمان  ليفتحها ، فلما بلغ البحر اعتل ، واشتدت علته ، فأعيد إلى بغداذ  ، فمات في الطريق في شعبان ، وحمل تابوته إلى بغداذ  فدفن بها ، وقبض  معز الدولة  أمواله وذخائره وكل ما كان له ، وأخذ أهله وأصحابه وحواشيه ، حتى ملاحه ، ومن خدمه يوما واحدا ، فقبض عليهم وحبسهم ، فاستعظم الناس ذلك واستقبحوه . 
 [ ص: 244 ] وكانت مدة وزارته ثلاث عشرة سنة وثلاثة أشهر ، وكان كريما فاضلا ذا عقل ومروة ، فمات بموته الكرم . 
ونظر في الأمور بعده   أبو الفضل العباس بن الحسين الشيرازي  ،   وأبو الفرج محمد بن العباس بن فسانجس  من غير تسمية لأحدهما بوزارة . 
ذكر غزوة إلى الروم  وعصيان حران  
 في هذه السنة في شوال ، دخل أهل طرسوس   بلاد الروم  غازين ، ودخلها أيضا  نجا غلام سيف الدولة ( بن حمدان  من درب آخر ، ولم يكن  سيف الدولة     ) معهم لمرضه ، فإنه كان قد لحقه قبل ذلك بسنتين فالج ، فأقام على رأس درب من تلك الدروب ، فأوغل أهل طرسوس   في غزوتهم حتى وصلوا إلى قونية  وعادوا ، فرجع  سيف الدولة  إلى حلب  ، فلحقه في الطريق غشية أرجف عليه الناس بالموت ، فوثب  هبة الله  ابن أخيه   ناصر الدولة بن حمدان  بابن نجا النصراني  فقتله ، وكان خصصيا  بسيف الدولة  ، وإنما قتله لأنه كان يتعرض لغلام له ، فغار لذلك . 
ثم أفاق  سيف الدولة  ، فلما علم  هبة الله  أن عمه لم يمت ، هرب إلى حران  ، فلما دخلها ، أظهر لأهلها أن عمه مات ، وطلب منهم اليمين على أن يكونوا سلما لمن سالمه ، وحربا لمن حاربه ، فحلفوا له ، واستثنوا عمه في اليمين ، فأرسل  سيف الدولة  غلامه  نجا  إلى حران  في طلب  هبة الله  ، فلما قاربها ، هرب  هبة الله  إلى أبيه بالموصل  ، فنزل  نجا  على حران  في السابع والعشرين من شوال ، فخرج أهلها إليه ( من الغد ) ، فقبض عليهم ، وصادرهم على ألف ألف درهم ، ووكل بهم حتى أدوها في خمسة أيام ، بعد الضرب الوجيع بحضرة عيالاتهم وأهليهم ، فأخرجوا أمتعتهم فباعوا كل ما يساوي دينارا بدرهم ; لأن أهل البلد كلهم كانوا يبيعون ليس فيهم من يشتري ; لأنهم مصادرون ، فاشترى   [ ص: 245 ] ذلك أصحاب نجا بما أرادوا ، وافتقر أهل البلد ، وسار  نجا  إلى ميافارقين  ، وترك حران  شاغرة بغير وال ، فتسلط العيارون على أهلها ، وكان من أمر  نجا  ما نذكره ( سنة ثلاث وخمسين ) [ وثلاثمائة ] . 
ذكر عدة حوادث 
في هذه السنة عاشر المحرم ، أمر  معز الدولة  الناس أن يغلقوا دكاكينهم ، ويبطلوا الأسواق والبيع والشراء ، وأن يظهروا النياحة ، ويلبسوا ( قبابا عملوها ) بالمسوح ، وأن يخرج النساء منشرات الشعور ، مسودات الوجوه ، قد شققن ثيابهن ، يدرن في البلد بالنوائح ، ويلطمن وجوههن على  الحسين بن علي     - رضي الله عنهما ، ففعل الناس ذلك ، ولم يكن للسنة قدرة على المنع منه لكثرة الشيعة ; ولأن السلطان معهم . 
وفيها في ربيع الأول ، اجتمع من رجاله الأرمن  جماعة كثيرة ، وقصدوا الرها  فأغاروا عليها ، فغنموا وأسروا ، وعادوا موفورين . 
وفيها عزل  ابن أبي الشوارب  عن قضاء بغداذ   ، وتقلد مكانه   أبو بشر عمرو بن أكثم  ، وعفي عما كان يحمله  ابن أبي الشوارب  من الضمان عن القضاء ، وأمر بإبطال أحكامه وسجلاته . 
وفيها في شعبان ، ثار الروم  بملكهم فقتلوه وملكوا غيره ، وصار  ابن شمشقيق  دمستقا ، وهو الذي يقوله العامة  ابن الشمشكي     . 
وفيها في الثامن عشر ذي الحجة ، أمر  معز الدولة  بإظهار الزينة في البلد ، وأشعلت النيران بمجلس الشرطة ، وأظهر الفرح ، وفتحت الأسواق بالليل ، كما يفعل ليالي الأعياد   [ ص: 246 ] فعل ذلك فرحا بعيد الغدير ، يعني غدير خم ، وضربت الدبادب والبوقات ، وكان يوما مشهودا . 
وفيها في ذي الحجة الواقع في كانون الثاني ، خرج الناس في العراق  للاستسقاء لعدم المطر . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					