[ ص: 480 ]   201 
ثم دخلت سنة إحدى ومائتين 
ذكر ولاية منصور بن المهدي ببغداذ   
وفي هذه السنة أراد أهل بغداذ  أن يبايعوا  المنصور بن المهدي  بالخلافة ، فامتنع عن ذلك ، فأرادوه على الإمرة عليهم ، على أن يدعو  للمأمون     ( بالخلافة ) ، فأجابهم إليه . 
وكان سبب ذلك ما ذكرناه قبل من إخراج أهل بغداذ  علي بن هشام  من بغداذ    . فلما اتصل إخراجه من بغداذ  بالحسن بن سهل  سار من المدائن  إلى واسط  ، وذلك أول سنة إحدى ومائتين ، فلما هرب إلى واسط  تبعه  محمد بن أبي خالد بن الهندوان  ، مخالفا له ، وقد تولى القيام بأمر الناس ، وولى  سعيد بن الحسن بن قحطبة  الجانب الغربي ،  ونصر بن حمزة بن مالك  الجانب الشرقي . 
وكان ببغداذ   منصور بن المهدي  ،   والفضل بن الربيع  ،  وخزيمة بن خازم     . 
وقدم  عيسى بن محمد بن أبي خالد  من الرقة  من عند  طاهر  ، في هذه الأيام ، فوافق أباه على قتال   الحسن بن سهل  ، فمضيا ومن معهما إلى قرية ( أبي فرسن  قريب واسط  ، ولقيهما في طريقهما عساكر  الحسن  ، في غير موضع ، فهزماهم . 
ولما انتهى  محمد  إلى دير العاقول  أقام به ثلاثا ،  وزهير بن المسيب  مقيم بإسكاف بني الجنيد  ، عاملا  للحسن  على جوخى  ، وهو يكاتب قواد بغداذ  ، فركب إليه  محمد  ، وأخذه أسيرا ، وأخذ كل ماله ، وسيره أسيرا إلى بغداذ  ، وحبسه عند أبيه  جعفر     . 
ثم تقدم  محمد  إلى واسط  ، ووجه  محمد  ابنه  هارون  من دير العاقول  إلى النيل  ، وبها نائب  للحسن  ، فهزمه  هارون  ، وتبعه إلى الكوفة    . 
 [ ص: 481 ] ثم سار المنهزمون من الكوفة  إلى  الحسن  بواسط  ، ورجع  هارون  إلى أبيه وقد استولى على النيل  ، وسار  محمد  وهارون  نحو واسط  ، فسار  الحسن  عنها ، ونزل خلفها . 
وكان   الفضل بن الربيع  مختفيا كما تقدم إلى الآن ، فلما رأى أن  محمدا  قد بلغ واسطا طلب منه الأمان ، فأمنه ، وظهر ، وسار  محمد  إلى  الحسن  على تعبئة ، فوجه إليه  الحسن  قواده وجنده ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، فانهزم أصحاب  محمد  بعد العصر ، وثبت  محمد  حتى جرح جراحات شديدة ، وانهزموا هزيمة قبيحة ، وقتل منهم خلق كثير ، وغنموا مالهم ، وذلك لسبع بقين من شهر ربيع الأول . 
ونزل  محمد  بفم الصلح  ، وأتاهم  الحسن  ، فاقتتلوا ، فلما جنهم الليل ( رحل  محمد  وأصحابه فنزلوا المنازل ، فأتاهم  الحسن  فاقتتلوا ، فلما جنهم الليل ) ارتحلوا ، حتى أتوا جبل  ، فأقاموا بها ، ووجه  محمد  ابنه  عيسى  إلى عرنايا  ، فأقام بها ، وأقام  محمد  بجرجرايا  ، فاشتدت جراحات  محمد  ، فحمله ابنه  أبو زنبيل  إلى بغداذ  ، وخلف عسكره لست خلون من ربيع الآخر ، ومات  محمد بن أبي خالد  ، فدفن في داره سرا . 
وأتى  أبو زنبيل خزيمة بن خازم  ، فأعلمه حال أبيه ، وأعلم  خزيمة  ذلك الناس ، وقرأ عليهم كتاب   عيسى بن محمد  إليه ، يبذل فيه القيام بأمر الحرب مقام أبيه ، فرضوا به ، وصار مكان أبيه ، وقتل  أبو زنبيل  زهير بن المسيب  من ليلته ، ذبحه ذبحا وعلق رأسه في عسكر أبيه . 
وبلغ   الحسن بن سهل  موت  محمد  ، فسار إلى  المبارك  فأقام به ، وبعث في جمادى الآخرة جيشا له ، فالتقوا  بأبي زنبيل  بفم الصراة  ، فهزموه ، وانحاز إلى أخيه  هارون  بالنيل  ، فتقدم جيش  الحسن  إليهم ، فلقوهم فاقتتلوا ساعة ، وانهزم  هارون  وأصحابه ، فأتوا المدائن  ، ونهب أصحاب  الحسن  النيل  ثلاثة أيام ، وما حولها من القرى . 
وكان بنو هاشم  والقواد حين مات  محمد بن أبي خالد  ، قالوا : نصير بعضنا خليفة ، ونخلع المأمون . فأتاهم خبر  هارون  وهزيمته ، فجدوا في ذلك ، وأردوا   منصور بن المهدي  على الخلافة فأبى ، فجعلوه خليفة للمأمون ببغداذ  والعراق  ، وقالوا : لا نرضى   [ ص: 482 ] بالمجوسي ابن المجوسي   الحسن بن سهل     . 
وقيل : إن  عيسى  لما ساعده أهل بغداذ  على حرب   الحسن بن سهل  علم  الحسن  أنه لا طاقة له به ، فبعث إليه ، وبذل المصاهرة ومائة ألف دينار ، والأمان له ولأهل بيته ، ولأهل بغداذ  ، وولاية أي النواحي أحب ، فطلب كتاب المأمون بخطه ، وكتب  عيسى  إلى أهل بغداذ    : إني مشغول بالحرب عن جباية الخراج ، فولوا رجلا من بني هاشم    . فولوا   منصور بن المهدي  ، وقال : أنا خليفة أمير المؤمنين   المأمون  حتى يقدم ، أو يولي من أحب . فرضي به الناس . 
وعسكر  منصور  بكلواذى  ، وبعث  غسان بن ( عباد بن أبي ) الفرج  إلى ناحية الكوفة  ، فنزل بقصر  ابن هبيرة   ، فلم يشعر  غسان  إلا وقد أحاط به  حميد الطوسي  ، فأخذه أسيرا ، وقتل من أصحابه ، وذلك لأربع خلون من رجب . 
وسير   منصور بن المهدي  محمد بن يقطين  في عسكر إلى  حميد  ، فسار حتى أتى كوثى  ، فلم يشعر بشيء حتى هجم عليه  حميد  ، وكان بالنيل  ، فقاتله قتالا شديدا ، وانهزم  ابن يقطين  ، وقتل من أصحابه ، وأسر ، وغرق بشر كثير ، ونهب  حميد  ما حول كوثى  من القرى ، ورجع  حميد  إلى النيل  ،  وابن يقطين  أقام بنهر صرصر    . 
وأحصى  عيسى بن محمد بن أبي خالد  من في عسكره ، وكانوا مائة ألف وخمسة وعشرين ألفا بين فارس وراجل ، فأعطى الفارس أربعين درهما ، والراجل عشرين درهما . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					