[ ص: 298 ]   478 
ثم دخلت سنة ثمان وسبعين وأربعمائة . 
ذكر استيلاء الفرنج  على مدينة طليطلة     . 
في هذه السنة استولى الفرنج  ، لعنهم الله ، على مدينة طليطلة  من بلاد الأندلس  ، وأخذوها من المسلمين ، وهي من أكبر البلاد وأحصنها . 
وسبب ذلك أن  الأذفونش  ، ملك الفرنج  بالأندلس  ، كان قد قوي شأنه ، وعظم ملكه وكثرت عساكره ، مذ تفرقت بلاد الأندلس  ، وصار كل بلد بيد ملك ، فصاروا مثل ملوك الطوائف ، فحينئذ طمع الفرنج  فيهم ، وأخذوا كثيرا من ثغورهم . 
وكان قد خدم قبل ذلك صاحبها  القادر بالله بن المأمون بن يحيى بن ذي النون  ، وعرف من أين يؤتى البلد ، وكيف الطريق إلى ملكه . 
فلما كان الآن جمع  الأذفونش  عساكره وسار إلى مدينة طليطلة  فحصرها سبع سنين ، وأخذها من القادر ، فازداد قوة إلى قوته . 
وكان  المعتمد على الله أبو عبد الله محمد بن عباد  أعظم ملوك الأندلس  من المسلمين ، وكان يملك أكثر البلاد مثل قرطبة  وإشبيلية  ، وكان يؤدي إلى  الأذفونش  ضريبة كل سنة . فلما ملك  الأذفونش  طليطلة  أرسل إليه  المعتمد  الضريبة على عادته ، فردها عليه ولم يقبلها منه ، فأرسل إليه يتهدده ويتوعده أنه يسير إلى مدينة قرطبة  ويتملكها إلا أن يسلم إليه جميع الحصون التي في الجبل ، ويبقي السهل للمسلمين ، وكان الرسول في جمع كثير كانوا خمسمائة فارس ، فأنزله   محمد بن عباد  ، وفرق أصحابه على قواد عسكره ، ثم أمر كل من عنده منهم رجل أن يقتله ، وأحضر الرسول وصفعه حتى خرجت عيناه ، وسلم من الجماعة ثلاثة نفر ، فعادوا إلى  الأذفونش   [ ص: 299 ] فأخبروه الخبر وكان متوجها إلى قرطبة  ليحاصرها ، فلما بلغه الخبر عاد إلى طليطلة  ليجمع آلات الحصار ، ورحل المعتمد إلى إشبيلية    . 
ذكر استيلاء  ابن جهير  على آمد     . 
في المحرم من هذه السنة ملك  ابن جهير  آمد    . 
وسبب ذلك أن  فخر الدولة بن جهير  كان قد أنفذ إليها ولده زعيم الرؤساء  أبا القاسم  ، ومعه  جناح الدولة ، المعروف بالمقدم السالار  ، وأرادوا قلع كرومها  وبساتينها  ، ولم يطمع مع ذلك في فتحها لحصانتها ، فعم أهلها الجوع وتعذرت الأقوات ، وكادوا يهلكون وهم صابرون على الحصار ، غير مكترثين له . 
فاتفق أن بعض الجند نزل من السور لحاجة لهم ، وتركوا أسلحتهم مكانها ، فصعد إلى ذلك المكان عدد من العامة تقدمهم رجل من السواد يعرف  بأبي الحسن  فلبس السلاح ، ووقف على ذلك المكان ، ونادى بشعار  السلطان  وفعل من معه كفعله ، وطلبوا زعيم الرؤساء فأتاهم وملك البلد ، واتفق أهل المدينة على نهب بيوت النصارى لما كانوا يلقون من نواب بني مروان  من الجور والحكم ، وكان أكثرهم نصارى ، فانتقموا منهم . 
ذكر ملكه أيضا  ميافارقين    . 
وفي هذه السنة أيضا ، في سادس جمادى الآخرة ، ملك  فخر الدولة ميافارقين  ، وكان مقيما على حصارها ، فوصل إليه  سعد الدولة كوهرائين  في عسكره نجدة له   [ ص: 300 ] فجد في القتال فسقط من سورها قطعة ، فلما رأى أهلها ذلك نادوا بشعار  ملكشاه  ، وسلموا البلد إلى  فخر الدولة  وأخذ جميع ما استولى عليه من أموال بني مروان  وأنفذه إلى  السلطان  مع ابنه زعيم الرؤساء ، فانحدر هو  وكوهرائين  إلى بغداذ  ، وسار زعيم الرؤساء منها إلى أصبهان  ، فوصلها في شوال ، وأوصل ما معه إلى  السلطان     . 
ذكر ملك جزيرة ابن عمر    . 
في هذه السنة أرسل  فخر الدولة  جيشا إلى جزيرة ابن عمر  ، وهي لبني مروان  أيضا ، فحصروها ، فثار أهل بيت من أهلها يقال لهم بنو وهبان  ، وهم من أعيان أهلها ، وقصدوا بابا للبلد صغيرا يقال له باب البويبة لا يسلكه إلا الرجالة لأنه يصعد إليه من ظاهر البلد بدرج ، فكسروه ، وأدخلوا العسكر ، فملكه ، وانقرضت دولة بني مروان  ، فسبحان من لا يزول ملكه . 
وهؤلاء بنو وهبان  ، إلى يومنا هذا ، كلما جاء إلى الجزيرة من يحصرها يخرجون من البلد ، ولم يبق منهم من له شوكة ، ولا منزلة يفعل بها شيئا ، وإنما بتلك الحركة يؤخذون إلى الآن . 
ذكر عدة حوادث   . 
في هذه السنة ، ( في ربيع الأول ) ، وصل أمير الجيوش في عساكر مصر  إلى الشام  ، فحصر دمشق  ، وبها صاحبها   تاج الدولة تتش  ، فضيق عليه ، وقاتله ، فلم يظفر منها بشيء ، فرحل عنها عائدا إلى مصر    . 
 [ ص: 301 ] وفيها كانت الفتنة بين أهل الكرخ  وسائر المحال من بغداذ  ، وأحرقوا من نهر الدجاج درب الآجر وما قاربه ، وأرسل الوزير  أبو شجاع  جماعة من الجند ، ونهاهم عن سفك الدماء تحرجا من الإثم ، فلم يمكنهم تلافي الخطب فعظم . 
وفيها كانت زلزلة شديدة بخوزستان  وفارس  ، وكان أشدها بأرجان  ، فسقطت الدور ، وهلك تحتها خلق كثير . 
وفيها ، في ربيع الأول ، هاجت ريح عظيمة سوداء بعد العشاء ، وكثر الرعد والبرق ، وسقط على الأرض رمل أحمر وتراب كثير ، وكانت النيران تضطرم في أطراف السماء ، وكان أكثرها بالعراق  وبلاد الموصل  ، فألقت النخيل والأشجار وسقط معها صواعق في كثير من البلاد ، حتى ظن الناس أن القيامة قد قامت ثم انجلى ذلك نصف الليل . 
  [ الوفيات ] 
وفيها ، في ربيع الآخر ، توفي إمام الحرمين  أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني   ، ومولده سنة سبع عشرة وأربعمائة ، وهو الإمام المشهور في الفقه والأصولين وغيرهما من العلوم ، وسمع الحديث من  أبي محمد الجوهري  وغيره . 
 [ ص: 302 ] وفيها ، في ذي الحجة ، توفي   محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن الوليد أبو علي  المتكلم ، كان أحد رؤساء المعتزلة وأئمتهم ، ولزم بيته خمسين سنة لم يقدر أن يخرج منه من عامة بغداذ  ، وأخذ الكلام عن  أبي الحسين البصري   وعبد الجبار الهمذاني القاضي  ، ومن جملة تلاميذه  ابن برهان  ، وهو أكبر منه . 
وفي هذه السنة توفي  القاضي أبو الحسن هبة الله محمد بن السيبي  ، قاضي الحريم ، بنهر معلى  ، ومولده سنة أربع وتسعين وثلاثمائة ، وكان يذاكر الإمام   المقتدي بأمر الله  ، وولي  أبو الفرج عبد الوهاب  بين يدي قاضي القضاة  ابن الدامغاني     . 
وفيها ، في جمادى الأولى ، توفي  أبو العز بن صدقة  ، وزير  شرف الدولة  ، ببغداذ  ، وكان قد قبض عليه  شرف الدولة  وسجنه بالرحبة ، فهرب منها إلى بغداذ  ، فمات بعد وصوله إلى مأمنه بأربعة أشهر ، وكان كريما متواضعا لم تغيره الولاية عن إخوانه . 
وفيها ، في رجب ، توفي قاضي القضاة  أبو عبد الله بن الدامغاني  ، ومولده سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة ، ودخل بغداذ  سنة تسع عشرة وأربعمائة ، وكان قد صحب القاضي  أبا العلاء بن صاعد  ، وحضر ببغداذ  مجلس   أبي الحسين القدوري  ، ووليه قضاء القضاة بعده القاضي  أبو بكر بن المظفر بن بكران الشامي  ، وهو من أكبر أصحاب القاضي   أبي الطيب الطبري     . 
وفيها توفي (  عبد الرحمن بن مأمون بن علي ) أبو سعد المتولي  مدرس النظامية  ، وهو من أصحاب القاضي  حسين المروروذي  وتمم كتاب " الإبانة " . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					