[ ص: 601 ]   406 
ثم دخلت سنة ست وأربعمائة 
ذكر الفتنة بين  باديس  وعمه  حماد   
في هذه السنة ظهر الاختلاف بين الأمير  باديس  صاحب إفريقية  ، وعمه  حماد  حتى آل الأمر بينهما إلى الحرب التي لا بقيا بعدها . 
وسبب ذلك أن  باديس  أبلغ عن عمه  حماد قوارص  وأمورا أنكرها ، فأغضى عليها ، حتى كثر ذلك عليه ، وكان  لباديس  ولد اسمه  المنصور  أراد أن يقدمه ويجعله ولي عهده ، فأرسل إلى عمه  حماد  يقول له بأن يسلم بعض ما بيده من الأعمال التي أقطعه إلى نائب ابنه  المنصور  ، وهي مدينة تيجس  ، وقصر الإفريقي  وقسنطينة  ، وسير إلى تسليم ذلك  هاشم بن جعفر  ، وهو من كبار قوادهم ، وسير معه عمه  إبراهيم  ليمنع أخاه  حمادا  من أمر إن أراده . فسارا إلى أن قاربا  حمادا  ، ففارق  إبراهيم  هاشما  ، وتقدم إلى أخيه  حماد  ، فلما وصل إليه حسن له الخلاف على باديس  ، ووافقه على ذلك ، وخلعا الطاعة ، وأظهرا العصيان ، وجمعا الجموع الكثيرة ، فكانوا ثلاثين ألف مقاتل . 
فبلغ ذلك  باديس  ، فجمع عساكره وسار إليهما ، ورحل  حماد  وأخوه  إبراهيم  إلى  هاشم بن جعفر  والعسكر الذين معه ، وهو بقلعة شقنبارية  ، فكان بينهم حرب انهزم فيها  ابن جعفر  ولجأ إلى باجة  ، وغنم  حماد  ماله وعدده ، فرحل  باديس  إلى مكان   [ ص: 602 ] يسمى قبر الشهيد  ، فأتاه جمع كثير من عسكر عمه  حماد  ، ووصلت كتب  حماد  وإبراهيم  إلى  باديس  أنهما ما فارقا الجماعة ، ولا خرجا عن الطاعة ، فكذبهما ما ظهر من أفعالهما من سفك الدماء ، وقتل الأطفال ، وإحراق الزروع والمساكن ، وسبي النساء . 
ووصل  حماد  إلى باجة  فطلب أهلها منه الأمان ، فأمنهم ، واطمأنوا إلى عهده ، فدخلها يقتل وينهب ويحرق ويأخذ الأموال . 
وتقدم  باديس  إليه بعساكره ، فلما كان في صفر سنة ست وأربعمائة ، وصل  حماد  إلى مدينة أشير  ، وهي له ، فيها نائبه ، واسمه  خلف الحميري  ، فمنعه خلف من دخولها ، وصار في طاعة  باديس  ، فسقط في يد  حماد  ، فإنها هي كانت معوله لحصانتها وقوتها . 
ووصل  باديس  إلى مدينة المسيلة  ، ولقيه أهلها ، وفرحوا به ، وسير جيشا إلى المدينة التي أحدثها  حماد  ، فخربوها إلا أنهم لم يأخذوا مال أحد ، وهرب إلى  باديس  جماعة كثيرة من جند القلعة التي له ، وفيها أخوه  إبراهيم  ، فأخذ  إبراهيم  أبناءهم ، وذبحهم على صدور أمهاتهم ، فقيل إنه ذبح بيده منهم ستين طفلا ، فلما فرغ من الأطفال قتل الأمهات . 
وتقارب  باديس  وحماد  ، والتقوا مستهل جمادى الأولى ، واقتتلوا أشد قتال وأعظمه ، ووطن أصحاب  باديس  أنفسهم على الصبر أو الموت لما كان  حماد  يفعله لمن يظفر به ، واختلط الناس بعضهم ببعض ، وكثر القتل ، ثم انهزم  حماد  وعسكره لا يلوي على شيء ، وغنم عسكر  باديس  أثقاله وأمواله ، وفي جملة ما غنم منه عشرة آلاف درقة مختارة لمط ، ولولا اشتغال العسكر بالنهب لأخذ  حماد  أسيرا . 
وسار حتى وصل إلى قلعته تاسع جمادى الأولى ، وجاء إلى مدينة دكمة  ، فتجنى على أهلها ، فوضع السيف فيهم ، فقتل ثلاثمائة رجل . فخرج إليه فقيه منها وقال له : يا  حماد  إذا لقيت الجيوش انهزمت ، وإذا قاومتك الجموع فررت ، وإنما قدرتك   [ ص: 603 ] وسلطانك على أسير لا قدرة له عليك ؛ فقتله وحمل جميع ما في المدينة من طعام وملح وذخيرة إلى القلعة التي له . 
وسار  باديس  خلفه ، وعزم على المقام بناحيته ، وأمر بالبناء ، وبذل الأموال لرجاله ، فاشتد ذلك على  حماد  ، وأنكر رجاله ، وضعفت نفسه ، وتفرق عنه أصحابه . 
ثم مات  ورو بن سعيد الزناتي المتغلب  على ناحية طرابلس  ، واختلفت كلمة زناتة ، فمالت فرقة مع أخيه  خزرون  ، وفرقة مع  ابن ورو  ، فاشتد ذلك أيضا على  حماد  ، وكان يطمع أن زناتة تغلب على بعض البلاد ، فيضطر باديس  إلى الحركة إليهم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					