[ ص: 67 ]   326 
ثم دخلت سنة ست وعشرين وثلاثمائة 
ذكر استيلاء معز الدولة  على الأهواز   
في هذه السنة سار   معز الدولة أبو الحسين أحمد بن بويه  إلى الأهواز  وتلك البلاد ، فملكها ( واستولى عليها ) . 
وكان سبب ذلك ما ذكرناه من مسير  أبي عبد الله البريدي  إلى  عماد الدولة  كما سبق ، فلما وصل إليه ، أطمعه في العراق  والاستيلاء عليه ، فسير معه أخاه  معز الدولة  إلى الأهواز  ، وترك  أبو عبد الله البريدي  ولديه :  أبا الحسن محمدا  ،  وأبا جعفر الفياض  عند   عماد الدولة بن بويه  رهينة وساروا ، فبلغ الخبر إلى  بجكم  بنزولهم  أرجان  ، فسار لحربهم ، فانهزم من بين أيديهم . 
وكان سبب الهزيمة أن المطر اتصل أياما كثيرة ، فعطلت أوتار قسي الأتراك ، فلم يقدروا على رمي النشاب ، فعاد  بجكم  وأقام بالأهواز  ، وجعل بعض عسكره بعسكر  مكرم  ، فقاتلوا معز الدولة بها ثلاثة عشر يوما ، ثم انهزموا إلى تستر  ، فاستولى معز الدولة على عسكر  مكرم  ، وسار  بجكم  إلى تستر  من الأهواز  ، وأخذ معه جماعة من أعيان الأهواز  ، وسار هو وعسكره إلى واسط  ، وأرسل من الطريق إلى   ابن رائق  يعلمه الخبر ، ويقول له : إن العسكر محتاج إلى المال ، فإن كان معك مائتا ألف دينار فتقيم بواسط  حتى نصل إليك ، وتنفق فيه المال ، وإن كان المال قليلا ، فالرأي أنك تعود إلى بغداذ  لئلا يجري من العسكر شغب . 
فلما بلغ الخبر إلى   ابن رائق  ، عاد من واسط  إلى بغداذ  ، ووصل  بجكم  إلى واسط  فأقام بها ، واعتقل من معه من الأهوازيين ، وطالبهم بخمسين ألف دينار ، وكان فيهم  أبو زكرياء يحيى بن سعيد السوسي     . 
 [ ص: 68 ] قال  أبو زكرياء     : أردت أن أعلم ما في نفس  بجكم  ، فأنفذت إليه أقول : عندي نصيحة ، فأحضرني عنده ، فقلت : أيها الأمير ، أنت تحدث نفسك بمملكة الدنيا ، وخدمة الخلافة ، وتدبير الممالك ، كيف يجوز أن تعتقل قوما منكوبين قد سلبوا نعمتهم ، وتطالبهم بمال وهم في بلد غربة ، وتأمر بتعذيبهم حين جعل أمس طشت فيه نار على بطن بعضهم ؟ أما تعلم أن هذا إذا سمع عنك استوحش منك الناس ، وعاداك من لا يعرفك ؟ وقد أنكرت على   ابن رائق  إيحاشه لأهل البصرة  ، أتراه أساء إلى جميعهم ؟ لا والله ، بل أساء إلى بعضهم ، فأبغضوه كلهم ، وعوام بغداذ  لا تحتمل أمثال هذا ، وذكرت له فعل مرداويج ، فلما سمع ذلك ، قال : قد صدقتني ، ونصحتني ، ثم أمر بإطلاقهم . 
ولما استولى  ابن بويه  والبريدي  على عسكر  مكرم  ، سار أهل الأهواز  إلى  البريدي  يهنونه ، وفيهم طبيب حاذق ، وكان  البريدي  يحم بحمى الربع ، فقال لذلك الطبيب : أما ترى يا  أبا زكرياء  حالي وهذه الحمى ؟ فقال له : خلط ، يعني في المأكول ، فقال له : أكثر من هذا التخليط ، قد رهجت الدنيا . 
ثم ساروا إلى الأهواز  فأقاموا بها خمسة وثلاثين يوما ، ثم هرب  البريدي  من  ابن بويه  إلى الباسيان  ، فكاتبه بعتب كثير ، ويذكر غدره في هربه . 
وكان سبب هربه أن  ابن بويه  طلب عسكره الذين بالبصرة  ليسيروا إلى أخيه  ركن الدولة  بأصبهان  ، معونة له على حرب  وشمكير  ، فأحضر منهم أربعة آلاف ، فلما حضروا ، قال  لمعز الدولة     : إن أقاموا ، وقع بينه وبين الديلم  فتنة ، والرأي أن يسيروا إلى السوس  ثم يسيروا إلى أصبهان  ، فأذن له في ذلك ، ثم طالبه بأن يحضر عسكره الذين بحصن مهدي ليسيرهم في الماء إلى واسط  ، فخاف  البريدي  أن يعمل به مثل ما عمل هو  بياقوت     . 
وكان الديلم  يهينونه ولا يلتفتون إليه ، فهرب وأمر جيشه الذي بالسوس  ، فساروا إلى البصرة  ، وكاتب  معز الدولة  بالإفراج له عن الأهواز  حتى يتمكن من ضمانه ، فإنه كان قد ضمن الأهواز  والبصرة  من   عماد الدولة بن بويه  ، كل سنة بثمانية عشر ألف ألف درهم ،   [ ص: 69 ] فرحل عنها إلى عسكر  مكرم  خوفا من أخيه  عماد الدولة     ; لئلا يقول له : كسرت المال ، فانتقل  البريدي  إلى بناباذ ، وأنفذ خليفته إلى الأهواز  ، وأنفذ إلى  معز الدولة  يذكر حاله وخوفه منه ، ويطلب أن ينتقل إلى السوس  من عسكر  مكرم     ; ليبعد عنه ويأمن بالأهواز    . 
فقال له  أبو جعفر الصيمري  وغيره : إن  البريدي     ( يريد أن ) يفعل بك كما فعل  بياقوت  ، ويفرق أصحابك عنك ، ثم يأخذك فيتقرب بك إلى  بجكم     (   وابن رائق  ، ويستعيد أخاك لأجلك ، فامتنع  معز الدولة  من ذلك . 
وعلم  بجكم  بالحال ) ، فأنفذ جماعة من أصحابه ، فاستولوا على السوس  وجنديسابور  ، وبقيت الأهواز  بيد  البريدي  ، ولم يبق بيد  معز الدولة  من كور الأهواز  إلا عسكر  مكرم  ، فاشتد الحال عليه ، وفارقه بعض جنده ، وأرادوا الرجوع إلى فارس  ، فمنعهم  أصفهدوست  وموسى قياذة  ، هما من أكابر القواد ، وضمنا لهم أرزاقهم ليقيموا شهرا ، فأقاموا وكتب إلى أخيه  عماد الدولة  يعرفه حاله ، فأنفذ له جيشا ، فقوي بهم ، وعاد فاستولى على الأهواز  ، وهرب  البريدي  إلى البصرة    ( واستقر فيها ) فاستقر  ابن بويه  بالأهواز    . 
وأقام  بجكم  بواسط  طامعا في الاستيلاء على بغداذ  ومكان   ابن رائق  ، ولا يظهر له شيئا من ذلك ، وأنفذ   ابن رائق  علي بن خلف بن طياب  إلى  بجكم  ليسير معه إلى الأهواز  ويخرج منها  ابن بويه  ، فإذا فعل ذلك كانت ولايتها  لبجكم  والخراج إلى  علي بن خلف  ، فلما وصل  علي  إلى  بجكم  بواسط  استوزره  بجكم  ، وأقام معه وأخذ  بجكم  جميع مال واسط    . 
ولما رأى  أبو الفتح الوزير  ببغداذ  إدبار الأمور ، أطمع   ابن رائق  في مصر  والشام  ،   [ ص: 70 ] وصاهره ، وعقد بينه  ابن طغج  عهدا وصهرا ، وقال   لابن رائق     : أنا أجبي إليك مال مصر  والشام  إن سيرتني إليهما ، فأمره بالتجهز للحركة ، ففعل وسار  أبو الفتح  إلى الشام  في ربيع الآخر . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					