[ ص: 133 ] 333
ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة
ذكر المتقي إلى بغداذ وخلعه مسير
كان المتقي لله قد كتب إلى متولي الإخشيد محمد بن طغج مصر يشكو حاله ويستقدمه إليه ، فأتاه من مصر ، فلما وصل إلى حلب ، سار عنها أبو عبد الله بن سعيد بن حمدان ، وكان ابن مقاتل بها معه ، فلما علم برحيله عنها اختفى ، فلما قدم الإخشيد إليها ، ظهر إليه ابن مقاتل ، فأكرمه الإخشيد ، واستعمله على خراج مصر ، وانكسر عليه ما بقي من المصادرة التي صادره بها ، ومبلغه خمسون ألف دينار . ناصر الدولة بن حمدان
وسار الإخشيد من حلب ، فوصل إلى المتقي منتصف محرم وهو بالرقة ، فأكرمه المتقي واحترمه ، ووقف الإخشيد وقوف الغلمان ، ومشى بين يديه ، فأمره المتقي بالركوب فلم يفعل إلى أن نزل المتقي ، وحمل إلى المتقي هدايا عظيمة ، وإلى الوزير أبي الحسين بن مقلة وسائر الأصحاب ، واجتهد بالمتقي ليسير معه إلى مصر والشام ، ويكون بين يديه ، فلم يفعل وأشار عليه بالمقام مكانه ، ولا يرجع إلى بغداذ ، وخوفه من توزون ، فلم يفعل وأشار على ابن مقلة أن يسير معه إلى مصر ليحكمه في جميع بلاده ، فلم يجبه إلى ذلك ، فخوفه أيضا من توزون ، فكان ابن مقلة يقول ( بعد ذلك ) : نصحني الإخشيد ، فلم أقبل نصيحته .
وكان قد أنفذ رسلا إلى توزون في الصلح ، على ما ذكرناه ، فحلفوا توزون للخليفة والوزير ، فلما حلف كتب الرسل إلى المتقي بذلك ، فكتب إليه الناس أيضا بما شاهدوا من تأكيد اليمين ، فانحدر المتقي من الرقة في الفرات إلى بغداذ لأربع بقين من المحرم ، وعاد الإخشيد إلى مصر ، فلما وصل المتقي إلى هيت أقام بها ، وأنفذ من [ ص: 134 ] يجدد اليمين على توزون ، فعاد وحلف ، وسار عن بغداذ لعشر بقين من صفر ليلتقي المتقي ، فالتقاه بالسندية ، فنزل توزون وقبل الأرض وقال : ها أنا قد وفيت بيميني والطاعة لك ، ثم وكل به وبالوزير وبالجماعة ، وأنزلهم في مضرب نفسه مع حرم المتقي ، ثم كحله فأذهب عينيه ، فلما سمله صاح ، وصاح من عنده من الحرم والخدم ، وارتجت الدنيا ، فأمر توزون بضرب الدبادب لئلا تظهر أصواتهم ، فخفيت أصواتهم ، وعمي المتقي لله ، وانحدر توزون من الغد إلى بغداذ والجماعة في قبضته .
وكانت خلافة المتقي لله ثلاث سنين وخمسة أشهر وثمانية عشر يوما ، وكان أبيض ( أشهل ) العينين ، وأمه أم ولد اسمها خلوب ، وكانت وزارة ابن مقلة سنة واحدة وخمسة أشهر واثني عشر يوما .