[ ص: 187 ]   156 
ثم دخلت سنة ست وخمسين ومائة 
ذكر عصيان أهل إشبيلية  على  عبد الرحمن الأموي   
في هذه السنة سار  عبد الرحمن الأموي  ، صاحب الأندلس  ، إلى حرب شقنا ، وقصد حصن شيطران  ، فحصره ، وضيق عليه ( فهرب إلى المفازة كعادته ) ، وكان قد استخلف على قرطبة  ابنه  سليمان  ، فأتاه كتابه يخبره بخروج أهل إشبيلية  مع  عبد الغفار  ،  وحيوة بن ملابس  عن طاعته ، وعصيانهم عليه ، واتفق من بها من اليمانية معهما ، فرجع  عبد الرحمن  ولم يدخل قرطبة  ، وهاله ما سمع من اجتماعهم وكثرتهم ، فقدم ابن عمه  عبد الملك بن عمر  ، وكان  شهاب آل مروان  ، وبقي  عبد الرحمن  خلفه كالمدد له . 
فلما قارب  عبد الملك  أهل إشبيلية  قدم ابنه  أمية  ليعرف حالهم ، فرآهم مستيقظين فرجع إلى أبيه ، فلامه أبوه على إظهار الوهن ، وضرب عنقه ، وجمع أهل بيته وخاصته ، وقال لهم : طردنا من المشرق إلى أقصى هذا الصقع ، ونحسد على لقمة تبقي الرمق ، اكسروا جفون السيوف ، فالموت أولى أو الظفر . 
ففعلوا وحمل بين أيديهم ، فهزم اليمانية وأهل إشبيلية  ، فلم تقم بعدها لليمانية قائمة ، وجرح  عبد الملك     . 
وبلغ الخبر إلى  عبد الرحمن  ، فأتاه وجرحه يجري دما ، وسيفه يقطر دما ، وقد لصقت يده بقائم سيفه ، فقبله بين عينيه وجزاه خيرا ، وقال : يا ابن عم قد أنكحت ابني وولي عهدي  هشاما  ابنتك فلانة ، وأعطيتها كذا وكذا ، وأعطيتك كذا وأولادك كذا ، وأقطعتك وإياهم ، ووليتكم الوزارة . 
 [ ص: 188 ] وهذا  عبد الملك  هو الذي ألزم  عبد الرحمن  بقطع خطبة  المنصور  وقال له : تقطعها وإلا قتلت نفسي ! وكان قد خطب له عشرة أشهر ، فقطعها . 
وكان  عبد الغفار  وحيوة بن ملابس  قد سلما من القتل . فلما كانت سنة سبع وخمسين ومائة سار  عبد الرحمن  إلى إشبيلية  فقتل خلقا كثيرا ممن كان مع  عبد الغفار  وحيوة  ورجع . وبسبب هذه الوقعة ، وغش العرب ، مال  عبد الرحمن  إلى اقتناء العبيد . 
ذكر الفتنة بإفريقية  مع الخوارج   
قد ذكرنا هرب  عبد الرحمن بن حبيب  ، الذي كان أبوه أمير إفريقية  ، مع الخوارج  ، واتصاله بكتامة فسير  يزيد بن حاتم  أمير إفريقية  العسكر في أثره ، وقاتلوا كتامة . 
فلما كانت هذه السنة سير  يزيد  عسكرا آخر مددا للذين يقاتلون  عبد الرحمن  ، فاشتد الحصار على  عبد الرحمن  فمضى هاربا ، وفارق مكانه ، فعادت العساكر عنه . 
ثم ثار في هذه السنة على  يزيد بن حاتم أبو يحيى بن فانوس الهواري  بناحية طرابلس  ، فاجتمع عليه كثير من البربر  ، وكان بها عسكر  ليزيد بن حاتم  مع عامل البلد ، فخرج العامل والجيش معه ، فالتقوا على شاطئ البحر من أرض هوارة  ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، فانهزم  أبو يحيى بن فانوس  ، وقتل عامة أصحابه ، وسكن الناس بإفريقية  ، وصفت  ليزيد بن حاتم     . 
ذكر عدة حوادث  
في هذه السنة ظفر  الهيثم بن معاوية  ، عامل البصرة  ،  بعمرو بن شداد  الذي كان عامل  إبراهيم بن عبد الله  على فارس  ، وسبب ظفره به أنه ضرب غلاما له ، فأتى  الهيثم  ، فدله عليه ، فأخذه ، فقتله ، وصلبه بالمربد    . 
وفيها عزل  الهيثم  عن البصرة  ، واستعمل سوار القاضي على الصلاة مع القضاء ، واستعمل  سعيد بن دعلج  على شرط البصرة  وأحداثها ، ولما وصل  الهيثم  إلى بغداذ  مات بها ، وصلى عليه  المنصور     . 
 [ ص: 189 ] وفيها غزا الصائفة  زفر بن عاصم الهلالي  ، وحج بالناس   العباس بن محمد بن علي     . 
وكان على مكة    :  محمد بن إبراهيم الإمام  ، وعلى الكوفة    :  عمرو بن زهير  ، وعلى الأحداث والجوالي والشرط بالبصرة    :  سعيد بن دعلج  وعلى الصلاة والقضاء :   سوار بن عبد الله  ، وعلى كور دجلة  والأهواز  وفارس    :   عمارة بن حمزة  ، وعلى كرمان  والسند    :   هشام بن عمرو  ، وعلى إفريقية    :  يزيد بن حاتم  ، وعلى مصر    :   محمد بن سعيد     . 
وفيها سخط  عبد الرحمن الأموي  على مولاه بدر لفرط إدلاله عليه ، ولم يرع حق خدمته وطول صحبته ، وصدق مناصحته ، فأخذ ماله ، وسلبه نعمته ، ونفاه إلى الثغر ، فبقي به إلى أن هلك . 
[ الوفيات ] 
وفيها مات   عبد الرحمن بن زياد بن أنعم  ، قاضي إفريقية  ، ( وقد تكلم الناس في حديثه ) . 
وفيها توفي  حمزة بن حبيب الزيات المقرئ  ، أحد القراء السبعة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					