كان جماعة من بني هاشم وشيعة المهدي قد خاضوا في خلع من ولاية العهد ، والبيعة عيسى بن موسى ، فلما علم لموسى الهادي بن المهدي المهدي بذلك سره ، وكتب إلى بالقدوم عليه ، وهو بقرية الرحبة ، من أعمال عيسى بن موسى الكوفة .
فأحس عيسى بالذي يراد منه ، فامتنع من القدوم ، فاستعمل المهدي على الكوفة ، للإضرار به ، فلم يجد روح بن حاتم روح إلى الإضرار به سبيلا ، لأنه كان لا يقرب البلد إلا كل جمعة أو يوم عيد .
[ ص: 217 ] وألح المهدي عليه وقال له : إنك إن لم تجبني إلى أن تنخلع من ولاية العهد لموسى استحللت منك بمعصيتك ما يستحل من أهل المعاصي ، وإن أجبتني عوضتك ، فوجه إليه المهدي عمه العباس بن محمد برسالة وكتاب يستدعيه ، فلم يحضر معه .
فلما عاد العباس ، وجه المهدي إليه أبا هريرة محمد بن فروخ القائد في ألف من أصحابه ذوي البصائر في التشيع للمهدي ، وجعل مع كل واحد منهم طبلا ، وأمرهم أن يضربوا طبولهم جميعا عند قدومهم إليه ، فوصلوا سحرا ، وضربوا طبولهم ، فارتاع عيسى روعا شديدا ، ودخل عليه ، وأمره بالشخوص معه . ( فاعتل بالشكوى ، فلم يقبل منه وأخذه معه ) . أبو هريرة
فلما قدم نزل دار عيسى بن موسى في عسكر محمد بن سليمان المهدي فأقام أياما يختلف إلى المهدي ولا يكلم بشيء ، ولا يرى مكروها ، فحضر الدار يوما قبل جلوس المهدي فجلس في مقصورة للربيع ، وقد اجتمع شيعة رؤساء المهدي على خلعه ، فثاروا به وهو في المقصورة ، فأغلق الباب دونهم ، فضربوا الباب بالعمد حتى هشموه ( وشتموا عيسى أقبح الشتم ) وأظهر المهدي إنكارا لما فعلوه ، فلم يرجعوا ، فبقوا في ذلك أياما إلى أن كاشفه أكابر أهل بيته ، وكان أشدهم عليه . محمد بن سليمان
وألح عليه المهدي ، فأبى ، وذكر أن عليه أيمانا في أهله وماله ، فأحضر له من القضاة والفقهاء عدة ، منهم : ، محمد بن عبد الله بن علاثة ، فأفتوه بما رأوا ، فأجاب إلى خلع نفسه ، فأعطاه ومسلم بن خالد الزنجي المهدي عشرة آلاف ألف درهم ، وضياعا بالزاب وكسكر ، وخلع نفسه لأربع بقين من المحرم ، وبايع للمهدي ولابنه . موسى الهادي
ثم جلس المهدي من الغد ، وأحضر أهل بيته ، وأخذ بيعتهم ، ثم خرج إلى الجامع ، وعيسى معه ، فخطب الناس ، وأعلمهم بخلع عيسى والبيعة للهادي ، ودعاهم إلى البيعة ، فسارع الناس إليها ، وأشهد على عيسى بالخلع .
فقال بعض الشعراء :
كره الموت أبو موسى وقد كان في الموت نجاة وكرم خلع الملك وأضحى ملبسا
ثوب لؤم ما ترى منه القدم
[ ص: 218 ] ( الرحبة بضم الراء قرية عند الكوفة ، وصبح : بضم الصاد المهملة ، وكسر الباء الموحدة ) .