ذكر تغير حال  أبي عبيد الله   
في هذه السنة تغيرت حال  أبي عبيد الله وزير المهدي  ، وقد ذكرنا فيما تقدم سبب اتصاله به أيام  المنصور  ، ومسيره معه إلى خراسان  ، فحكى   الفضل بن الربيع  أن الموالي كانوا يقعون في  أبي عبيد الله  عند  المهدي  ويحرضونه عليه ، وكانت كتب  أبي عبيد الله  ترد على  المنصور  بما يفعل ، ويعرضها على  الربيع  ، ويكتب الكتب إلى  المهدي  بالوصاة به ، وترك القول فيه . 
ثم إن  الربيع  حج مع  المنصور  حين مات ، وفعل في بيعة  المهدي  ما ذكرناه ، فلما قدم جاء إلى باب  أبي عبيد الله  ، قبل  المهدي  ، وقبل أن يأتي أهله ، فقال له ابنه  الفضل     : تترك أمير المؤمنين ومنزلك وتأتيه ! قال : هو صاحب الرجل ، وينبغي أن نعامله غير ما كنا نعامله به ، ونترك ذكر نصرتنا له . 
فوقف على بابه من المغرب إلى أن صليت العشاء الآخرة ، ثم أذن له فدخل فلم يقم له وكان متكئا ، فلم يجلس ، ولا أقبل عليه ، وأراد  الربيع  أن يذكر له ما كان منه في أمر البيعة ، فقال : قد بلغنا أمركم ، فأوغر صدر  الربيع  ، فلما خرج من عنده . ( قال له ابنه  الفضل     : لقد بلغ فعل هذا بك ما فعل ، وكان الرأي أن لا تأتيه ، وحيث أتيته وحجبك أن تعود ، وحيث دخلت عليه فلم يقم لك أن تعود ) . 
فقال لابنه : أنت أحمق حيث تقول : كان ينبغي أن لا تجيء ، وحيث جئت وحجبت أن تعود ، ولما دخلت فلم يقم لك كان ينبغي أن تعود ، ولم يكن الصواب إلا   [ ص: 225 ] ما عملته ، ولكن والله ، وأكد اليمين ، لأخلعن جاهي ، ولأنفقن مالي حتى أبلغ مكروهه . 
وسعى في أمره ، فلم يجد عليه طريقا لاحتياطه في أمر دينه وأعماله ، فأتاه من قبل ابنه  محمد  ، فلم يزل يحتال ويدس إلى  المهدي  ، ويتهمه ببعض حرمه ، وبأنه زنديق ، حتى استحكمت التهمة عند  المهدي  بابنه ، فأمر به فأحضر ، وأخرج أبوه ، ثم قال له : يا  محمد     ! اقرأ ، فلم يحسن يقرأ شيئا ، فقال لأبيه : ألم تعلمني أن ابنك يحفظ القرآن ؟ قال : بلى ولكنه فارقني منذ سنين ، وقد نسي . 
قال : فقم فتقرب إلى الله بدمه ، فقام ليقتل ولده فعثر فوقع ، فقال  العباس بن محمد     : إن رأيت أن يعفي الشيخ ، فافعل ، فأمر بابنه فضربت عنقه ، وقال له  الربيع     : يا أمير المؤمنين ! تقتل ابنه وتثق إليه ! لا ينبغي ذلك . فاستوحش منه ، وكان من أمره ما نذكره . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					