ثم دخلت سنة إحدى وسبعين ومائة
ذكر عبد الرحمن الأموي صاحب الأندلس وفاة
وفيها مات ، صاحب عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك الأندلس ، في ربيع الآخر ، وقيل سنة اثنتين وسبعين ( ومائة ، وهو أصح ) .
وكان مولده بأرض دمشق ، وقيل بالعلياء من ناحية تدمر ، سنة ثلاث عشرة ومائة ، وكان موته بقرطبة .
وصلى عليه ابنه عبد الله ، وكان عهد إلى ابنه هشام ، وكان هشام بمدينة ماردة واليا عليها ، وكان ابنه سليمان بن عبد الرحمن ، وهو الأكبر ، بطليطلة واليا عليها ، فلم يحضرا موت أبيهما ، وحضره عبد الله المعروف بالبلنسي ، وأخذ البيعة لأخيه هشام ، وكتب إليه بنعي أبيه وبالإمارة ، فسار إلى قرطبة .
وكانت دولة عبد الرحمن ثلاثا وثلاثين سنة وأشهرا ، وكانت كنيته أبا المطرف ، وقيل : أبا سليمان ، وقيل : أبا زيد ، وكان له من الولد : أحد عشر ذكرا ، وتسع بنات ، وكانت أمه بربرية من سبي إفريقية .
وكان أصهب ، خفيف العارضين ، طويل القامة ، نحيف الجسم ، أعور له ضفيرتان .
وكان فصيحا لسنا ، شاعرا ، حليما ، عالما حازما ، سريع النهضة في طلب الخارجين عليه ، لا يخلد إلى راحة ، ( ولا يسكن إلى دعة ، ولا يكل الأمور إلى غيره ، ولا [ ص: 278 ] ينفرد في الأمور برأيه ، شجاعا مقداما بعيد الغور ) ، شديد الحذر ، سخيا ، جوادا ، يكثر لبس البياض ، وكان يقاس بالمنصور في حزمه وشدته ، وضبط المملكة .
( وبنى الرصافة بقرطبة تشبها بجده هشام حيث بنى الرصافة بالشام ، ولما سكنها رأى فيها نخلة منفردة ، فقال :
تبدت لنا وسط الرصافة نخلة تناءت بأرض الغرب عن بلد النخل فقلت : شبيهي في التغرب والنوى
وطول التنائي عن بني وعن أهلي نشأت بأرض أنت فيها غريبة
فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلي سقتك غوادي المزن من صوبها الذي
يسح ويستمري السماكين بالوبل
وقصده بنو أمية من المشرق ، فمن المشهورين : عبد الملك بن عمر بن مروان ، وهو قعدد بني أمية ، وهو الذي كان سبب قطع الدعوة العباسية بالأندلس ، على ما تقدم ، وكان معه أحد عشر ولدا له ) .