وفيها خرج الوليد بن طريف التغلبي بالجزيرة ، ففتك بإبراهيم بن خازم بن خزيمة بنصيبين ، ثم قويت شوكة الوليد ، فدخل إلى أرمينية ، وحصر خلاط عشرين يوما ، فافتدوا منه أنفسهم بثلاثين ألفا .
ثم سار إلى أذربيجان ، ثم إلى حلوان وأرض السواد ، ثم عبر إلى غرب دجلة ، وقصد مدينة بلد ، فافتدوا منه بمائة ألف ، وعاث في أرض الجزيرة ، فسير إليه ، وهو ابن أخي الرشيد يزيد بن مزيد بن زائدة الشيباني . معن بن زائدة
فقال الوليد :
ستعلم يا يزيد إذا التقينا بشط الزاب أي فتى يكون
.[ ص: 305 ] فجعل يزيد يختاله ويماكره ، وكانت البرامكة منحرفة عن يزيد فقالوا للرشيد : إنما يتجافى يزيد عن الوليد للرحم ، لأنهما كلاهما من وائل ، وهونوا أمر الوليد .
فكتب إليه الرشيد كتاب مغضب ، وقال له : لو وجهت أحد الخدم لقام بأكثر مما تقوم به ، ولكنك مداهن ، متعصب ، وأقسم بالله إن أخرت مناجزته لأوجهن إليك من يحمل رأسك .
فلقي الوليد عشية خميس في شهر رمضان سنة تسع وسبعين ، فيقال : جهد عطشا حتى رمى بخاتمه في فيه ، وجعل يلوكه ويقول : اللهم إنها شدة شديدة ، فاسترها ! وقال لأصحابه : فداكم أبي وأمي إنما هي الخوارج ، ولهم حملة ، فاثبتوا ، فإذا انقضت حملته فاحملوا عليهم فإنهم إذا انهزموا لم يرجعوا .
فكان كما قال ، حملوا عليهم حملة ، فثبت يزيد ومن معه من عشيرته ، ثم حمل عليهم فانكشفوا ، فيقال : إن أسد بن يزيد كان شبيها بأبيه جدا لا يفصل بينهما إلا ضربة في وجه يزيد تأخذ من قصاص شعره ، منحرفة على جبهته ، فكان أسد يتمنى مثلها ، فهوت إليه ضربة ، فأخرج وجهه من الترس ، فأصابته في ذلك الموضع ، فيقال لو خطت على ضربة أبيه ما عدا .
واتبع يزيد ، فلحقه فاحتز رأسه ، فقال بعض الشعراء : الوليد بن طريف
وائل بعضهم يقتل بعضا لا يفل الحديد إلا الحديد
فلما قتل الوليد صبحتهم أخته ليلى بنت الطريف ، مستعدة ، عليها الدرع ، فجعلت تحمل على الناس ، فعرفت ، فقال يزيد : دعوها ! ثم خرج إليها فضرب بالرمح قطاة فرسها ، ثم قال : اعزبي عزب الله عليك ، فقد فضحت العشيرة .
فاستحيت وانصرفت وهي تقول ترثي الوليد :
بتل تباثا رسم قبر كأنه على علم فوق الجبال منيف
تضمن جودا حاتميا ونائلا وسورة مقدام وقلب حصيف
ألا قاتل الله الجثى كيف أضمرت فتى كان بالمعروف غير عفيف
فإن يك أرداه يزيد بن مزيد فيا رب خيل فضها وصفوف
ألا يا لقومي للنوائب والردى ودهر ملح بالكرام عنيف
[ ص: 306 ] وللبدر من بين الكواكب قد هوى وللشمس همت بعده بكسوف
فيا شجر الخابور ما لك مورقا كأنك لم تجزع على ابن طريف
فتى لا يحب الزاد إلا من التقى ولا المال إلا من قنا وسيوف
ولا الخيل إلا كل جرداء شطبة وكل حصان باليدين عروف
فلا تجزعا يا ابني طريف فإنني أرى الموت نزالا بكل شريف
فقدناك فقدان الربيع فليتنا فديناك من دهمائنا بألوف
وقال في قتل مسلم بن الوليد الوليد ورفق يزيد في قتاله من قصيدة هذه الأبيات :
يفتر عند افترار الحرب مبتسما إذا تغير وجه الفارس البطل
موف على مهج في يوم ذي رهج كأنه أجل يسعى إلى أمل
ينال بالرفق ما يعيا الرجال به كالموت مستعجلا يأتي على مهل