[ ص: 497 ] ذكر استيلاء إبراهيم على قصر ابن هبيرة  
وكان بقصر  ابن هبيرة  حميد بن عبد الحميد  عاملا   للحسن بن سهل  ، ومعه من القواد  سعيد بن الساجور  ،  وأبو البط  ،  وغسان بن أبي الفرج  ،  ومحمد بن إبراهيم الإفريقي  وغيرهم ، فكاتبوا  إبراهيم  على أن يأخذوا له قصر  ابن هبيرة  ، وكانوا قد تحرفوا عن  حميد  ، وكتبوا إلى   الحسن بن سهل  يخبرونه أن  حميدا  يكاتب  إبراهيم  ، وكان  حميد  يكتب فيهم بمثل ذلك ، فكتب  الحسن  إلى  حميد  يستدعيه إليه ، فلم يفعل ، خاف أن يسير إليه ، فيأخذ هؤلاء القواد ماله وعسكره ، ويسلمونه إلى  إبراهيم  ، فلما ألح  الحسن  عليه بالكتب سار إليه في ربيع الآخر ، وكتب أولئك القواد إلى  إبراهيم  لينفذ إليهم  عيسى بن محمد بن أبي خالد  ، فوجهه إليهم ، فانتهبوا ما في عسكر  حميد  ، فكان مما أخذوا له مائة بدرة ، وأخذ  ابن حميد جواري  أبيه ، وسار إليه وهو بعسكر  الحسن  ، ودخل  عيسى  القصر ، وتسلمه لعشر خلون من ربيع الآخر ، فقال  حميد  للحسن     : ألم أعلمك ؟ لكنك خدعت . 
وعاد إلى الكوفة  ، فأخذ أمواله ، واستعمل عليها  العباس بن موسى بن جعفر العلوي  ، وأمره أن يدعو لأخيه  علي بن موسى بعد المأمون  ، وأعانه بمائة ألف درهم ، وقال له : قاتل عن أخيك ، فإن أهل الكوفة  يجيبونك إلى ذلك وأنا معك . 
فلما كان الليل خرج  حميد  إلى  الحسن  ، وكان  الحسن  قد وجه  حكيما الحارثي  إلى النيل  ، فسار إليه   عيسى بن محمد  ، فاقتتلوا ، فانهزم  حكيم  ، فدخل  عيسى  النيل  ، ووجه  إبراهيم  إلى الكوفة  سعيدا  وأبا البط  ، لقتال  العباس بن موسى  ، وكان  العباس  قد دعا أهل الكوفة  ، فأجابه بعضهم . 
وأما الغلاة من الشيعة  فإنهم قالوا : إن كنت تدعونا لأخيك وحده فنحن معك ، وأما   المأمون  فلا حاجة لنا فيه ، فقال : إنما أدعو  للمأمون  ، وبعده لأخي . فقعدوا عنه . 
فلما أتاه  سعيد  وأبو البط  ونزلوا قرية شاهي  بعث إليهم  العباس  ابن عمه  علي بن محمد بن جعفر  ، وهو ابن الذي بويع له بمكة  ، وبعث معه جماعة ، منهم أخو  أبي السرايا  ، فاقتتلوا ساعة ، فانهزم  علي بن محمد العلوي  وأهل الكوفة  ، ونزل  سعيد  وأصحابه الحيرة  ، وكان ذلك ثاني جمادى الأولى ، ثم تقدموا فقاتلوا أهل الكوفة  ، وخرج إلى شيعة  بني   [ ص: 498 ] العباس  ومواليهم ، فاقتتلوا إلى الليل ، وكان شعارهم : يا أبا إبراهيم ، يا منصور ، لا طاعة  للمأمون     . وعليهم السواد ، وعلى أهل الكوفة  الخضرة . 
فلما كان الغد اقتتلوا ، وكان كل فريق منهم إذا غلب على شيء أحرقه ونهبه ، فلما رأى ذلك رؤساء أهل الكوفة  خرجوا إلى  سعيد  ، فسألوه الأمان  للعباس  وأصحابه ، فأمنهم على أن يخرجوا من الكوفة  ، فأجابوه إلى ذلك ، ثم أتوا  العباس  فأعلموه ذلك ، فقبل منهم ، وتحول عن داره ، فشغب أصحاب  العباس بن موسى  على من بقي من أصحاب  سعيد  ، وقاتلوهم ، فانهزم أصحاب  سعيد  إلى الخندق ، ونهب أصحاب  العباس  دور   عيسى بن موسى  ، وأحرقوا ، وقتلوا من ظفروا به . 
فأرسل العباسيون  إلى  سعيد  وهو بالحيرة  ، يخبرونه أن  العباس بن موسى  قد رجع عن الأمان ، فركب  سعيد  وأصحابه ، وأتوا الكوفة  عتمة ، فقتلوا من ظفروا به ممن انتهب ، وأحرقوا ما معهم من النهب ، فمكثوا عامة الليل ، فخرج إليهم رؤساء الكوفة  ، فأعلموهم أن هذا فعل الغوغاء ، وأن  العباس  لم يرجع عن الأمان ، فانصرفوا عنهم . 
فلما كان الغد دخلها  سعيد  وأبو البط  ، ونادوا بالأمان ، ولم يعرضوا إلى أحد ، وولوا على الكوفة  الفضل بن محمد بن الصباح الكندي  ، ثم عزلوه لميله إلى أهل بلده ، واستعملوا مكانه  غسان بن أبي الفرج  ، ثم عزلوه بعدما قتل  أبا عبد الله  أخا  أبي السرايا  ، واستعملوا  الهول ابن أخي سعيد  ، فلم يزل عليها حتى قدمها  حميد بن عبد الحميد  ، فهرب  الهول     . 
وأمر   إبراهيم بن المهدي   عيسى بن محمد  أن يسير إلى ناحية واسط  على طريق النيل  ، وأمر  ابن عائشة الهاشمي  ونعيم بن حازم  أن يسيرا جميعا ، ولحق بهما  سعيد  ،  وأبو البط  ،  والإفريقي  ، وعسكروا جميعا بالصيادة  ، قرب واسط  ، عليهم جميعا   عيسى بن محمد  ، فكانوا يركبون ويأتون عسكر  الحسن  بواسط  ، فلا يخرج إليهم منهم أحد ، وهم متحصنون بالمدينة . 
ثم إن  الحسن  أمر أصحابه بالخروج إليهم ، فخرجوا إليهم لأربع بقين من رجب ، فاقتتلوا قتالا شديدا إلى الظهر ، وانهزم  عيسى  وأصحابه ، حتى بلغوا طرنايا  والنيل  ،   [ ص: 499 ] وغنموا عسكر  عيسى  وما فيه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					