وفي هذه السنة ، في ربيع الأول ، أخذ ، وهو متنقب مع امرأتين ، وهو في زي امرأة ، أخذه حارس أسود ليلا ، فقال : من أين أنتن ، وأين تردن هذا الوقت ؟ فأعطاه إبراهيم بن المهدي إبراهيم خاتم ياقوت كان في يده له قدر عظيم ليخليهن ولا يسألهن ، فلما نظر الحارس إلى الخاتم استرابهن ، وقال : خاتم رجل له شأن ، ورفعهن إلى صاحب المسلحة ، فأمرهن أن يسفرن ، فامتنع إبراهيم ، فجذبه ، فبدت لحيته ، فدفعه إلى صاحب الجسر ، فعرفه ، فذهب به إلى باب وأعلمه به ، فأمر بالاحتفاظ به إلى بكرة . المأمون
فلما كان الغد أقعد إبراهيم في دار والمقنعة التي تقنع بها في عنقه ، والملحفة على صدره ليراه المأمون بنو هاشم والناس ، ويعلموا كيف أخذ ، ثم حوله إلى أحمد بن أبي خالد ، فحبسه عنده ، ثم أخرجه معه ، لما سار إلى فم الصلح ، إلى ، فشفع فيه الحسن بن سهل الحسن ، وقيل : ابنته بوران .
وقيل : إن إبراهيم لما أخذ حمل إلى دار ، وكان أبي إسحاق المعتصم المعتصم عند ، فحمل رديفا لفرح التركي ، فلما دخل على المأمون قال : هيه يا المأمون إبراهيم ! فقال : يا أمير المؤمنين ، ولي الثأر محكم في القصاص ، والعفو أقرب للتقوى ، ومن تناوله الاغترار بما مد له من أسباب الشقاء ، أمكن عادية الدهر من نفسه ، وقد جعلك الله فوق كل ذي ذنب ، كما جعل كل ذي ذنب دونك ، فإن تعاقب فبحقك ، وإن تعف فبفضلك . قال : بل أعفو يا إبراهيم . فكبر وسجد .
وقيل : بل كتب إبراهيم هذا الكلام إلى وهو متخف ، فوقع المأمون في رقعته : القدرة تذهب الحفيظة ، والندم توبة ، وبينهما عفو الله - عز وجل - وهو أكبر ما يسأله . فقال المأمون إبراهيم يمدح : المأمون
يا خير من ذملت يمانية به بعد النبي لآيس أو طامع [ ص: 543 ] وأبر من عبد الإله على التقى
غيبا وأقوله بحق صادع عسل الفوارع ما أطعت فإن تهج
فالصاب يمزج بالسمام الناقع متيقظا حذرا وما تخشى العدى
نبهان من وسنات ليل الهاجع ملئت قلوب الناس منك مخافة
وتبيت تكلؤهم بقلب خاشع بأبي وأمي فدية وأبيهما
من كل معضلة وذنب واقع ما ألين الكنف الذي بوأتني
وطنا وأمرع ربعه للراتع للصالحات أخا جعلت وللتقى
وأبا رءوفا للفقير القانع نفسي فداؤك إذ تضل معاذري
وألوذ منك بفضل حلم واسع أملا لفضلك ، والفواضل شيمة
رفعت بناءك للمحل اليافع فبذلت أفضل ما يضيق ببذله
وسع النفوس من الفعال البارع وعفوت عمن لم يكن عن مثله
عفو ولم يشفع إليك بشافع إلا العلو عن العقوبة بعدما
ظفرت يداك بمستكين خاضع فرحمت أطفالا كأفراخ القطا
وعويل عانسة كقوس النازع وعطفت آصرة علي كما وهى
بعد انهياض الوثي عظم الظالع [ ص: 544 ] الله يعلم ما أقول كأنها
جهد الألية من حنيف راكع ما إن عصيتك والغواة تقودني
أسبابها إلا بنية طائع حتى إذا علقت حبائل شقوتي
بردي إلى حفر المهالك هائع لم أدر أن لمثل جرمي غافرا
فوقفت أنظر أي حتف صارعي رد الحياة علي بعد ذهابها
ورع الإمام القادر المتواضع أحياك من ولاك أفضل مدة
ورمى عدوك في الوتين بقاطع كم من يد لك لم تحدثني بها
نفسي إذا آلت إلي مطامعي أسديتها عفوا إلي هنيئة
وشكرت مصطنعا لأكرم صانع إلا يسيرا عندما أوليتني
وهو الكبير لدي غير الضائع إن أنت جدت بها علي تكن لها
أهلا وإن تمنع فأكرم مانع إن الذي قسم الخلافة حازها
من صلب آدم للإمام السابع جمع القلوب عليك جامع أمرها
وحوى رداؤك كل خير جامع
فذكر أن المأمون قال حين أنشده هذه القصيدة : أقول كما قال يوسف لإخوته : [ ص: 545 ] لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين .