في هذه السنة سار ( إلى عبد الله بن طاهر مصر ، وافتتحها ) ، واستأمن إليه عبيد الله بن السري .
وكان سبب مسيره أن عبيد الله قد كان تغلب على مصر ، وخلع الطاعة ، وخرج جمع من الأندلس فتغلبوا على الإسكندرية ، واشتغل عنهم بمحاربة عبد الله بن طاهر نصر بن شبث ، فلما فرغ منه سار نحو مصر ، فلما قرب منها على مرحلة قدم قائدا من قواده [ ص: 546 ] إليها لينظر موضعا يعسكر فيه .
وكان قد خندق على ابن السري مصر خندقا ، فاتصل الخبر به من وصول القائد إلى ما قرب منه ، فخرج إليه في أصحابه ، فالتقى هو والقائد ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، وكان القائد في قلة ، فجال أصحابه ، وسير بريدا إلى بخبره ، فحمل عبد الله بن طاهر عبد الله الرجال على البغال ، وجنبوا الخيل ، وأسرعوا السير ، فلحقوا بالقائد وهو يقاتل ، فلما رأى ابن السري ذلك لم يصبر بين أيديهم ، وانهزم عنهم ، وتساقط أكثر أصحابه في الخندق ، فمن هلك منهم بسقوط بعضهم على بعض كان أكثر ممن قتله الجند بالسيف . ابن السري
ودخل ابن السري مصر ، وأغلق الباب عليه وعلى أصحابه ، وحاصره عبد الله ، فلم يعد يخرج إليه ، وأنفذ إليه ألف وصيف ووصيفة ، مع كل واحد منهم ألف دينار ، فسيرهم ليلا ، فردهم ابن السري ، وكتب إليه : لو قبلت هديتك نهارا لقبلتها ليلا ابن طاهر بل أنتم بهديتكم تفرحون ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون . قال : فحينئذ طلب الأمان . وقيل : كان سنة إحدى عشرة .
وذكر أحمد بن حفص عن أبي السمراء قال : خرجنا مع إلى عبد الله بن طاهر مصر ، حتى إذا كنا بين الرملة ودمشق إذ نحن بأعرابي قد اعترض ، فإذا شيخ على بعير له ، فسلم علينا ، فرددنا عليه السلام ، قال : وكنت أنا وإسحاق بن إبراهيم الرافقي ، وإسحاق بن أبي ربعي ، ونحن نساير الأمير ، وكنا أفره منه دابة ، وأجود كسوة ، قال : فجعل الأعرابي ينظر إلى وجوهنا ، قال : فقلت : يا شيخ ، قد ألححت في النظر ، أعرفت شيئا أنكرته ؟ قال : لا والله ، ما عرفتكم قبل يومي هذا ، ولكني رجل حسن الفراسة في الناس . قال : فأشرت إلى إسحاق بن أبي ربعي ، وقلت : ما تقول في هذا ؟ فقال :
أرى كاتبا داهي الكتابة بين عليه ، وتأديب العراق منير له حركات قد يشاهدن أنه
عليم بتقسيط الخراج بصير
ونظر إلى إسحاق بن إبراهيم الرافقي فقال : [ ص: 547 ]
ومظهر نسك ما عليه ضميره يحب الهدايا ، بالرجال مكور
إخال به جبنا وبخلا وشيمة تخبر عنه إنه لوزير
ثم نظر إلي وقال :
وهذا نديم للأمير ومؤنس يكون له بالقرب منه سرور
وأحسبه للشعر والعلم راويا فبعض نديم مرة وسمير
ثم نظر إلى الأمير وقال :
وهذا الأمير المرتجى سيب كفه فما إن له في العالمين نظير
عليه رداء من جمال وهيبة ووجه بإدراك النجاح بشير
لقد عظم الإسلام منه بذي يد فقد عاش معروف ومات نكير
ألا إنما عبد الإله لنا والد بر بنا ، وأمير ابن طاهر