ذكر ملك   كسرى  بلاد الروم  
 كان بين  كسرى أنوشروان  وبين  غطيانوس  ملك الروم  هدنة ، فوقع بين رجل من العرب ، كان ملكه  غطيانوس  على عرب الشام  يقال له  خالد بن جبلة  ، وبين رجل من لخم  كان ملكه   كسرى  على عمان  والبحرين  واليمامة  إلى الطائف  وسائر الحجاز  يقال له  المنذر بن النعمان  ، فتنة ، فأغار  خالد  على  ابن النعمان  ، فقتل من أصحابه مقتلة عظيمة ، وغنم أمواله ; فكتب   كسرى  إلى  غطيانوس  يذكره ما بينهما من العهد والصلح ويعلمه ما لقي  المنذر  من  خالد  ، وسأله أن يأمر  خالدا  برد ما غنم إلى  المنذر  ، ويدفع له دية من قتل من أصحابه ، وينصفه من  خالد  ، وإنه إن لم يفعل ينقض الصلح . ووالى الكتب إلى  غطيانوس  في إنصاف  المنذر  ، فلم يحفل به . 
 [ ص: 399 ] فاستعد   كسرى  وغزا بلاد  غطيانوس  في بضعة وسبعين ألفا ، وكان طريقه على الجزيرة  ، فأخذ مدينة دارا  ومدينة الرهاء  ، وعبر إلى الشام  فملك منبج  وحلب  وأنطاكية  ، وكانت أفضل مدائن الشام  وفامية  وحمص  ومدنا كثيرة متاخمة لهذه المدائن عنوة ، واحتوى كل ما فيها من الأموال والعروض ، وسبى أهل مدينة أنطاكية  ونقلهم إلى أرض السواد ، وأمر فبنيت لهم مدينة إلى جانب مدينة طيسفون  على بناء مدينة أنطاكية  وأسكنهم إياها ، وهي التي تسمى الرومية  ، وكور لها خمسة طساسيج : طسوج النهروان الأعلى  ، وطسوج النهروان الأوسط  ، وطسوج النهروان الأسفل  ، وطسوج بادرايا  ، وطسوج باكسايا  ، وأجرى على السبي الذين نقلهم إليها من أنطاكية  الأرزاق ، وولى القيام بأمرهم رجلا من نصارى الأهواز  ليستأنسوا به لموافقته على الدين . 
وأما سائر مدن الشام  ومضر  فإن  غطيانوس  ابتاعها من   كسرى  بأموال عظيمة حملها إليه ، وضمن له فدية يحملها إليه كل سنة على أن لا يغزو بلاده ، فكانوا يحملونها كل عام . 
وسار  أنوشروان  من الروم  إلى الخزر  فقتل منهم وغنم وأخذ منهم بثأر رعيته ، ثم قصد اليمن  فقتل فيها وغنم ، وعاد إلى المدائن  وقد ملك ما دون هقلة  وما بينه وبين البحرين  وعمان    . وملك  النعمان بن المنذر  على الحيرة  وأكرمه ، وسار نحو الهياطلة  ليأخذ بثأر جده  فيروز  ، وكان  أنوشروان  قد صاهر  خاقان  قبل ذلك ، ودخل   كسرى  بلادهم فقتل ملكهم ، واستأصل أهل بيته ، وتجاوز بلخ  وما وراء النهر  وأنزل جنوده فرغانة  ، ثم عاد إلى المدائن  ، وغزا البرجان  ثم رجع وأرسل جنده إلى اليمن  ، فقتلوا الحبشة  وملكوا البلاد . 
وكان ملكه ثمانيا وأربعين سنة ، وقيل : سبعا وأربعين سنة . 
وكان مولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في آخر ملكه . 
 [ ص: 400 ] وقيل : ولد  عبد الله بن عبد المطلب  أبو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأربع وعشرين سنة مضت من ملك  أنوشروان  ، وولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة اثنتين وأربعين من ملكه . 
قال   هشام بن الكلبي     : ملك العرب من قبل ملوك الفرس  بعد  الأسود بن المنذر  أخوه  المنذر بن المنذر بن النعمان  سبع سنين ، ثم ملك بعده  النعمان بن الأسود  أربع سنين ، ثم استخلف  أبو يعفر بن علقمة بن مالك بن عدي اللخمي  ثلاث سنين ، ثم ملك  المنذر بن امرئ القيس  البدء ولقب   ذا القرنين  لضفيرتين كانتا له ، وأمه ماء السماء ، وهي ماوية ابنة عمرو بن جشم بن النمر بن قاسط  ، تسعا وأربعين سنة ، ثم ملك ابنه  عمرو بن المنذر  ست عشرة سنة . 
قال : ولثماني سنين وثمانية أشهر من ولايته ولد النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك أيام  أنوشروان  عام الفيل . 
فلما دانت  لكسرى  بلاد اليمن  وجه إلى سرنديب  من بلاد الهند  ، وهي أرض الجوهر ، قائدا من قواده من جند كثيف ، فقاتل ملكها ، فقتله واستولى عليها ، وحمل إلى كسرى منها أموالا عظيمة وجواهر كثيرة . 
ولم يكن ببلاد فارس  بنات آوى ، فجاءت إليها من بلاد الترك  في ملك  كسرى أنوشروان  ، فشق عليه ذلك وأحضر  موبذان موبذ  وقال له : قد بلغنا تساقط هذه السباع إلى بلادنا وقد تعاظمنا ذلك ، فأخبرنا برأيك فيها . فقال : سمعت فقهاءنا يقولون : متى لم يغلب العدل الجور في البلاد بل جار أهلها ، غزاهم أعداؤهم وأتاهم ما يكرهون . فلم يلبث   كسرى  أن أتاه أن فتيانا من الترك  قد غزوا أقصى بلاده ، فأمر وزراءه وعماله أن   [ ص: 401 ] لا يتعدوا فيما هم بسبيله العدل ، ولا يعملوا في شيء منها إلا به ، ففعلوا ما أمرهم ، فصرف الله ذلك العدو عنهم من غير حرب . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					