في هذه السنة توفي في ذي الحجة [ ص: 106 ] لست بقين منه ، وكانت علته الاستسقاء ، وعولج بالإقعاد في تنور مسخن ، فوجد لذلك خفة ، فأمرهم من الغد بالزيادة في إسخانه ، ففعل ذلك ، وقعد فيه أكثر من اليوم الأول ، فحمي عليه ، فأخرج منه في محفة ، وحضر عنده الواثق بالله أبو جعفر هارون بن محمد المعتصم ، أحمد بن أبي دؤاد ، ومحمد بن عبد الملك الزيات وعمر بن فرج ، فمات فيها ، فلم يشعروا بموته ، حتى ضرب بوجهه المحفة ، فعلموا .
وقيل : إن حضره عند موته ، وغمضه . أحمد بن أبي دؤاد
وقيل : إنه لما حضرته الوفاة ، جعل يردد هذين البيتين :
الموت فيه جميع الناس مشترك لا سوقة منهم تبقى ولا ملك ما ضر أهل قليل في تفاقرهم
وليس يغني عن الأملاك ما ملكوا
وقال أحمد بن محمد الواثقي : كنت فيمن يمرض الواثق ، فلحقه غشية ، وأنا وجماعة من أصحابه قيام ، فقلنا : لو عرفنا خبره ، فتقدمت إليه ، فلما صرت عند رأسه فتح عينيه ، فكدت أموت من الخوف ، فرجعت إلى الخلف ، وتعلقت قنبعة سيفي في عتبة المجلس ، فاندقت ، وسلمت من جراحه ، ووقفت في موقفي .
ثم إن الواثق مات ، وسجيناه ، وجاء الفراشون وأخذوا ما تحته في المجلس ، [ ص: 107 ] ورفعوه; لأنه مكتوب عليهم ، واشتغلوا بأخذ البيعة ، وجلست على باب المجلس; لحفظ الميت ورددت الباب ، فسمعت حسا ، ففتحت الباب ، وإذا جرذ قد دخل من بستان هناك ، فأكل إحدى عيني الواثق ، فقلت : لا إله إلا الله ، هذه العين التي فتحتها من ساعة ، فاندق سيفي هيبة لها صارت طعمة لدابة ضعيفة .
وجاؤوا فغسلوه ، فسألني عن عينه ، فأخبرته بالقصة من أولها إلى آخرها فعجب منها . أحمد بن أبي دؤاد
ولما مات صلى عليه أحمد ، وأنزله في قبره ، وقيل صلى عليه أخوه المتوكل ، ودفن بالهاروني بطريق مكة .
( وكان مولده بطريق مكة ) ، وأمه أم ولد اسمها قراطيس .
ولما اشتد مرضه أحضر المنجمين منهم ، فنظروا في مولده ، فقدروا له أن يعيش خمسين سنة ، مستأنفة من ذلك اليوم ، فلم يعش بعد قولهم إلا عشرة أيام ومات . الحسن بن سهل
وكان أبيض ، مشربا بحمرة ، جميلا ، ربعة ، حسن الجسم ، قائم العين اليسرى ، فيها نكتة بياض .
وكانت خلافته خمس سنين وتسعة أشهر وخمسة أيام ، وكان عمره اثنتين وثلاثين سنة ، ( وقيل : ستا وثلاثين سنة ) .