ذكر أن أبا السمط مروان بن أبي الجنوب قال : أنشدت المتوكل شعرا ذكرت فيه الرافضة ، فعقد لي على البحرين واليمامة ، وخلع علي أربع خلع ، وخلع علي المنتصر ، وأمر لي المتوكل بثلاثة آلاف دينار ، فنثرت علي ، وأمر ابنه المنتصر وسعدا الإيتاخي أن يلقطاها لي ، ففعلا ، والشعر الذي قلته :
ملك الخليفة جعفر للدين والدنيا سلامه لكم تراث محمد
وبعدلكم تنفى الظلامه يرجو التراث بنو البنات
وما لهم فيها قلامه [ ص: 176 ] والصهر ليس بوارث
والبنت لا ترث الإمامه ما للذين تنحلوا
ميراثكم إلا الندامه أخذ الوراثة أهلها
فعلام لومكم علامه لو كان حقكم لما
قامت على الناس القيامه ليس التراث لغيركم
لا والإله ، ولا كرامه أصبحت بين محبكم
والمبغضين لكم علامه
وقال : حضرت يحيى بن أكثم المتوكل ، فجرى بيني وبينه ذكر ، فقلت بتفضيله ، وتقريظه ، ووصف محاسنه وعلمه ومعرفته قولا كثيرا ، لم يقع لموافقة من حضر ، فقال المأمون المتوكل : كيف كان يقول في القرآن ؟ فقلت كان يقول : ما مع القرآن حاجة إلى علم فرض ، ولا مع السنة وحشة إلى فعل أحد ، ولا مع البيان والإفهام حجة لتعلم ، ولا بعد الجحود للبرهان والحق إلا السيف ، لظهور الحجة .
فقال المتوكل : لم أرد منك ما ذهبت إليه ، فقال يحيى : القول بالمحاسن في المغيب فريضة على ذي نعمة .
قال : فما كان يقول خلال حديثه ، فإن أمير المؤمنين المعتصم بالله ، رحمه الله ، كان يقوله وقد أنسيته ، قال كان يقول : اللهم إني أحمدك على النعم التي لا يحصيها غيرك ، وأستغفرك من الذنوب التي لا يحيط بها إلا عفوك .
قال : فما كان يقول إذا استحسن شيئا ، أو بشر بشيء ؟ فقد نسيناه ، قال يحيى : كان يقول إن ذكر آلاء الله وكثرتها ، وتعداد نعمه ، والحديث بها فرض من الله على أهلها ، وطاعة لأمره فيها ، وشكر له عليها ، فالحمد لله العظيم الآلاء السابغ النعماء بما هو [ ص: 177 ] أهله ومستوجبه من محامده القاضية حقه ، البالغة شكره ، المانعة غيره ، الموجبة مزيده ، على ما لا يحصيه تعدادنا ، ولا يحيط به ذكرنا من ترادف منته ، وتتابع فضله ، ودوام طوله ، حمد من يعلم أن ذلك منه ، والشكر له عليه ، فقال المتوكل : صدقت ، [ هذا ] هو الكلام بعينه .
وقدم في هذه السنة محمد بن عبد الله بن طاهر من مكة في صفر ، فشكا ما ناله من الغم بما وقع من الخلاف في يوم النحر ، فأمر المتوكل بإنفاذ خريطة من الباب إلى أهل الموسم برؤية هلال ذي الحجة ، وأمر أن يقام على المشعر الحرام ، وسائر المشاعر ، الشمع مكان الزيت والنفط .
وفيها ماتت أم المتوكل في شهر ربيع الآخر ، وصلى عليها المنتصر ، ودفنت عند المسجد الجامع ، وكان موتها قبل المتوكل بستة أشهر .