[ ص: 185 ] ذكر خلع المعتز والمؤيد
وفي هذه السنة خلع المعتز والمؤيد ابنا المتوكل من ولاية العهد ، وكان سبب خلعهما أن المنتصر لما استقامت له الأمور ، قال أحمد بن الخطيب لوصيف وبغا : إنا لا نأمن الحدثان ، وأن يموت أمير المؤمنين ، فيلي المعتز الخلافة ، فيبيد خضراءنا ، ولا يبقي منا باقية ، والآن الرأي أن نعمل في خلع المعتز والمؤيد .
فجد الأتراك في ذلك ، وألحوا على المنتصر ، وقالوا : نخلعهما من الخلافة ، ونبايع لابنك عبد الوهاب ، فلم يزالوا به حتى أجابهم ، وأحضر المعتز والمؤيد ، بعد أربعين يوما من خلافته ، وجعلا في دار ، فقال المعتز للمؤيد : يا أخي ، ( قد أحضرنا للخلع ) ، فقال : لا أظن يفعل ذلك .
فبينما هما كذلك إذ جاءت الرسل بالخلع ، فقال المؤيد : السمع والطاعة ، فقال المعتز : ما كنت لأفعل ، فإن أردتم القتل فشأنكم ، فأعلموا المنتصر ، ثم عادوا بغلظة وشدة ، وأخذوا المعتز بعنف ، وأدخلوه بيتا ، وأغلقوا عليه الباب ، فلما رأى المؤيد ذلك قال لهم بجرأة واستطالة : ما هذا يا كلاب ؟ قد ضريتم على دمائنا ، تثبون على مولاكم هذا الوثوب ، دعوني وإياه حتى أكلمه ! فسكتوا عنه ، وأذنوا له في الاجتماع به بعد إذن من المنتصر بذلك .
فدخل عليه المؤيد ، وقال : يا جاهل تراهم نالوا من أبيك - وهو هو - ما نالوا ، ثم تمتنع عليهم ؟ اخلع ويلك ، لا تراجعهم ! فقال : وكيف أخلع وقد جرى في الآفاق ؟ فقال : هذا الأمر قتل أباك ، وهو يقتلك ، وإن كان في سابق علم الله أن تلي لتلين . فقال : أفعل .
فخرج المؤيد وقال : قد أجاب إلى الخلع ، فمضوا ، وأعلموا المنتصر ، وعادوا فشكروه ، ومعهم كاتب ، فجلس ، فقال للمعتز : اكتب بخطك خلعك ! فامتنع ، فقال المؤيد للكاتب : هات قرطاسك ! أملل علي ما شئت ، فأملى عليه كتابا إلى المنتصر يعلمه فيه ضعفه عن هذا الأمر ، وأن لا يحل له أن يتقلده ، وكره أن يأثم المتوكل بسببه ، إذ لم يكن موضعا له ، ويسأله الخلع ، ويعلمه أنه قد خلع نفسه ، وأحل الناس من بيعته ، [ ص: 186 ] فكتب ذلك ، وقال للمعتز : اكتب ! فأبى ، فقال : اكتب ويلك ! [ فكتب ] وخرج الكاتب عنهما ، ثم دعاهما ، فدخلا على المنتصر ، فأجلسهما وقال : هذا كتابكما ؟ فقالا : نعم يا أمير المؤمنين . فقال لهما ، والأتراك وقوف : أتراني خلعتكما طمعا في أن أعيش حتى يكبر ولدي وأبايع له ؟ والله ما طمعت في ذلك ( ساعة ) قط ، وإذا لم يكن [ لي ] في ذلك طمع فوالله لأن يليها بنو أبي أحب إلي من أن يليها بنو عمي ، ولكن هؤلاء ، وأومأ إلى سائر الموالي ممن هو قائم عنده وقاعد ، ألحوا علي في خلعكما ، فخفت إن لم أفعل أن يعترضكما بعضهم بحديدة فيأتي عليكما ، فما ترياني صانعا [ إذن ] ؟ أقتله ! فوالله ما تفي دماؤهم كلهم بدم بعضكم ، فكانت إجابتهم إلى ما سألوا أسهل علي .
فقبلا يده وضمهما ، ثم إنهما أشهدا على أنفسهما القضاة ، وبني هاشم ، والقواد ، ووجوه الناس ، وغيرهم ، بالخلع ، وكتب بذلك المنتصر إلى محمد بن عبد الله بن طاهر وإلى غيره .