ثم دخلت سنة تسع وأربعين ومائتين
ذكر الروم وقتل علي بن يحيى الأرمني غزو
في هذه السنة غزا جعفر بن دينار الصائفة ، فافتتح حصنا ، ومطامير ، واستأذنه عمر بن عبيد الله الأقطع في المسير إلى بلاد الروم ، فأذن له ، فسار في خلق كثير من أهل ملطية ، فلقيه الملك في جمع عظيم من أهل الروم بمرج الأسقف ، فحاربه محاربة شديدة قتل فيها من الفريقين خلق كثير .
ثم أحاطت به الروم ، وهم خمسون ألفا ، وقتل عمر وممن معه ألفان من المسلمين في منتصف رجب .
فلما قتل عمر بن عبيد الله خرج الروم إلى الثغور الجزرية ، وكلبوا عليها وعلى أموال المسلمين وحرمهم ، فبلغ ذلك علي بن يحيى ، وهو قافل من أرمينية إلى ميارفارقين في جماعة من أهلها ، ومن أهل السلسلة ، فنفر إليهم ، فقتل في نحو من أربع مائة رجل وذلك في شهر رمضان .
ذكر ببغداذ الفتنة
وفيها شغب الجند والشاكرية ببغداذ ، وكان سبب ذلك أن الخبر لما اتصل بهم وبسامرا وما قرب منها بقتل عمر بن عبيد الله ، وعلي بن يحيى ، وكانا من شجعان الإسلام ، شديدا بأسهما ، عظيما غناؤهما عن المسلمين في الثغور ، شق ذلك عليهم مع قرب مقتل أحدهما من الآخر ، وما لحقهم من استعظامهم قتل الأتراك للمتوكل ، [ ص: 194 ] واستيلائهم على أمور المسلمين ، ( يقتلون من يريدون من الخلفاء ، ويستخلفون من أحبوا من غير ديانة ، ولا نظر للمسلمين ) .
فاجتمعت العامة ببغداذ بالصراخ ، والنداء بالنفير ، وانضم إليهم الأبناء ، و الشاكرية تظهر أنها تطلب الأرزاق ، وكان ذلك أول صفر ، ففتحوا السجون ، وأخرجوا من فيها ، وأحرقوا أحد الجسرين وقطعوا الآخر ، وانتهبوا دار بشر ، وإبراهيم ابني هارون ، كاتبي محمد بن عبد الله ، ثم أخرج أهل اليسار من بغداد وسامرا أموالا كثيرة ، ففرقوها فيمن نهض إلى الثغور ، وأقبلت العامة من نواحي الجبال ، وفارس ، والأهواز ، وغيرها لغزو الروم ، فلم يأمر الخليفة في ذلك بشيء ولم يوجه عسكره .
ذكر بسامرا الفتنة
وفيها في ربيع الأول وثب نفر من الناس لا يدرى من هم بسامرا ، ففتحوا السجن ، وأخرجوا من فيه ، فبعث في طلبهم جماعة من الموالي ، فوثب العامة بهم فهزموهم ، فركب بغا ، وأتامش ، ووصيف ، وعامة الأتراك ، فقتلوا من العامة جماعة ، فرمي وصيف بحجر ، فأمر بإحراق ذلك المكان ، وانتهب المغاربة ، ثم سكن ذلك آخر النهار .
ذكر أتامش قتل
في هذه السنة قتل أتامش وكاتبه شجاع ، وكان سبب ذلك أن المستعين أطلق يد والدته ، ويد أتامش ، وشاهك الخادم في بيوت الأموال ، وأباحهم ( فعل ) ما أرادوا ، فكانت الأموال التي ترد من الآفاق يصير معظمها إلى هؤلاء الثلاثة ، فأخذ أتامش أكثر [ ص: 195 ] ما في بيوت الأموال ، وكان في حجره العباس بن المستعين ، وكان ما فضل من هؤلاء ( الثلاثة ) أخذه أتامش للعباس فصرفه في نفقاته ، وكانت الموالي تنظر إلى الأموال تؤخذ وهم في ضيقة ، ووصيف وبغا بمعزل من ذلك ، فأغريا الموالي بأتامش ، وأحكما أمره ، فاجتمعت الأتراك والفراغنة عليه ، وخرج إليه منهم أهل الدور والكرخ ، فعسكروا في ربيع الآخر ، وزحفوا إليه وهو في الجوسق مع المستعين ، وبلغه الخبر ، فأراد الهرب ، فلم يمكنه ، واستجار بالمستعين ، فلم يجره ، فأقاموا على ذلك يومين ، ثم دخلوا الجوسق ، وأخذوا أتامش ، فقتلوه ، وقتلوا كاتبه شجاعا ، ونهبت دور أتامش ، فأخذوا منه أموالا جمة وغير ذلك .
فلما قتل استوزر المستعين أبا صالح عبد الله بن محمد بن يزداد ، وعزل عن ديون الخراج ، وولاه الفضل بن مروان عيسى بن فرخانشاه ، وولي وصيف الأهواز ، وبغا الصغير فلسطين .
ثم غضب بغا الصغير على أبي صالح ، فهرب إلى بغداد ، فاستوزر المستعين محمد بن الفضل الجرجرائي ، وجعل على ديوان الرسائل سعيد بن حميد ، فقال الحمدوني :
لبس السيف سعيد بعدما كان ذا طمرين لا توبة له إن لله لآيات ، وذا آية لله فينا منزله
فيها علي بن الجهم بن بدر الشاعر بقرب قتل حلب ، كان توجه إلى الثغر ، فلقيه خيل لكلب ، فقتلوه وأخذوا ما معه ، فقال وهو في السياق :
أزيد في الليل ليل أم سال في الصبح سيل ذكرت أهل دجيل
وأين مني دجيل وكان منزله بشارع دجيل
وفيها عزل عن القضاء ، ووليه جعفر بن عبد الواحد جعفر بن ( محمد ) بن عمار البرجمي الكوفي ، وقيل : كان ذلك سنة خمسين ومائتين .
وفيها أصاب أهل الري زلزلة شديدة ورجفة تهدمت [ منها ] الدور ، ومات خلق من أهلها ، وهرب الباقون فنزلوا ظاهر المدينة .
وحج بالناس هذه السنة عبد الصمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم الإمام ، وهو والي مكة .
( وفيها سير محمد ، صاحب الأندلس ، جيشا مع ابنه إلى مدينة ألبة ، والقلاع من بلد الفرنج ، فجالت الخيل في ذلك الثغر ، وغنمت ، وافتتحت بها حصونا منيعة .
[ الوفيات ]
وفيها توفي أبو إبراهيم أحمد بن محمد بن الأغلب ، صاحب إفريقية ، ثالث عشر [ ص: 197 ] ذي القعدة ، فلما مات ولي أخوه زيادة الله بن محمد بن الأغلب ، فلما ولي زيادة الله أرسل إلى خفاجة بن سفيان ، أمير صقلية ، يعرفه موت أخيه ، وأمره أن يقيم على ولايته ) .