ذكر يعقوب الصفار وملكه هراة وبوشنج ابتداء دولة
وكان يعقوب بن الليث وأخوه عمرو يعملان الصفر بسجستان ، ويظهران الزهد والتقشف . وكان في أيامهما رجل من أهل سجستان يظهر التطوع بقتال الخوارج ، يقال له : صالح المطوعي ، فصحبه يعقوب ، وقاتل معه ، فحظي عنده ، فجعله صالح مقام الخليفة عنه ، ثم هلك صالح ، وقام مقامه إنسان آخر اسمه درهم ، فصار يعقوب مع درهم كما كان مع صالح قبله .
ثم إن صاحب خراسان احتال لدرهم لما عظم شأنه وكثر أتباعه ، حتى ظفر به وحمله إلى بغداد ، فحبسه بها ، ثم أطلق ، وخدم الخليفة ببغداذ .
وعظم أمر يعقوب بعد أخذ درهم ، وصار متوليا أمر المتطوعة مكان درهم ، وقام بمحاربة الشراة ، ( فظفر بهم ) ، وأكثر القتل فيهم ، حتى كاد يفنيهم ، وخرب قراهم ، وأطاعه أصحابه بمكره ، وحسن حاله ورأيه طاعة لم يطيعوها أحدا كان من قبله ، واشتدت شوكته ، فغلب على سجستان ، وأظهر التمسك بطاعة الخليفة ، وكاتبه ، وصدر عن أمره ، وأظهر أنه هو أمره بقتال الشراة ، وملك سجستان وضبط الطرق وحفظها ، وأمر بالمعروف ونهى عن [ ص: 248 ] المنكر ، فكثر أتباعه ، فخرج عن حد طلب الشراة ، وصار يتناول أصحاب أمير خراسان للخليفة .
ثم سار من سجستان إلى هراة من خراسان هذه السنة ليملكها ، وكان أمير خراسان محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر بن الحسين ، وعامله على هراة محمد بن أوس الأنباري ، فخرج منها لمحاربة يعقوب في تعبئة حسنة وبأس شديد وزي جميل ، فتحاربا واقتتلا قتالا شديدا ، فانهزم ابن أوس ، وملك يعقوب هراة وبشنج ، وصارت المدينتان في يده ، فعظم أمره حينئذ ، وهابه أمير خراسان وغيره من أصحاب الأطراف .