ذكر ملك  يعقوب  فارس   
وفيها ، رابع جمادى الأولى ، ملك  يعقوب بن الليث  فارس  ، ولما بلغ  علي بن الحسين بن شبل  بفارس  ما فعله  يعقوب  بطوق  أيقن بمجيئه إليه ، وكان  علي  بشيراز  ، فجمع جيشه وسار إلى مضيق خارج شيراز  ، من أحد جانبيه جبل لا يسلك ، ومن الجانب الآخر نهر لا يخاض ، فأقام على رأس المضيق ، وهو ضيق ممره لا يسلكه إلا واحد بعد واحد ، وهو على طرف البر ، وقال : إن  يعقوب  لا يقدر على الجواز إلينا . فرجع . 
وأقبل  يعقوب  حتى دنا من ذلك المضيق ، فنزل على ميل منه ، وسار وحده ومعه رجل آخر ، فنظر إلى ذلك المضيق والعسكر وأصحاب [   علي بن ] الحسن  يسبونه وهو ساكت ثم رجع إلى أصحابه ، فلما كان الغد الظهر سار بأصحابه حتى صار إلى طرف المضيق مما يلي كرمان  ، فأمر أصحابه بالنزول وحط الأثقال ، ففعلوا ، وركبوا دوابهم عريا ، وأخذ كلبا كان معه فألقاه في الماء ، فجعل يسبح إلى جانب عسكر [  علي بن ] الحسين  ، وكان  علي بن الحسين  وأصحابه قد ركبوا ينظرون إلى فعله ، ويضحكون منه . 
وألقى  يعقوب  نفسه وأصحابه في الماء على خيلهم ، وبأيديهم الرماح ، يسيرون خلف الكلب ، فلما رأى  علي بن الحسين  أن  يعقوب  قد قطع عامة النهر تحير في أمره ، وانتقض عليه تدبيره ، وخرج أصحاب  يعقوب  من وراء أصحاب  علي  ، فلما خرج أوائلهم هرب أصحابه إلى مدينة شيراز  ، لأنهم كانوا يصيرون ، إذا خرج  يعقوب  وأصحابه ، بين جيش  يعقوب  والمضيق ، ولا يجدون ملجأ ، فانهزموا ، فسقط  علي بن الحسين  عن دابته ،   [ ص: 255 ] كبا به الفرس ، فأخذ أسيرا ، وأتي به إلى  يعقوب  ، فقيده ، وأخذ كل ما في عسكره ، ثم رحل من موضعه ، ودخل شيراز  ليلا ، فلم يتحرك أحد ، فلما أصبح نهب أصحابه دار  علي  ودور أصحابه ، وأخذ ما في بيوت الأموال ، وجبى الخراج ورجع إلى سجستان    . 
وقيل : إنه جرى بين  يعقوب الصفار  وبين  علي بن الحسين  ، بعد عبوره النهر ، حرب شديدة ، وذلك أن  عليا  كان قد جمع عنده جمعا كثيرا من الموالي والأكراد وغيرهم ، بلغت عدتهم خمسة عشر ألفا بين فارس وراجل ، فعبأ أصحابه ميمنة ، وميسرة ، ووقف هو في القلب ، وأقبل  الصفار  فعبر النهر ، فلما صار مع  علي  على أرض واحدة حمل هو وعسكره حملة واحدة على عسكر  علي  ، فثبتوا لهم ، ثم حمل ثانية ، فأزالهم عن مواقفهم ، وصدقهم في الحرب ، فانهزموا على وجوههم لا يلوي أحد على أحد . 
وتبعهم  علي  يصيح بهم ، ويناشدهم الله ليرجعوا ، أو ليقفوا ، فلم يلتفت إليه أحد ، وقتل الرجالة قتلا ذريعا ، وأقبل المنهزمون إلى ( باب ) شيراز مع العصر ، فازدحموا في الأبواب ، فتفرقوا في نواحي فارس  ، وبلغ بعضهم في هزيمته إلى الأهواز    . 
فلما رأى  الصفار  ما لقوا من القتل أمر بالكف عنهم ، ولولا ذلك لقتلوا عن آخرهم . 
وكان القتلى خمسة آلاف قتيل ، وأصاب  علي بن الحسين  ثلاث جراحات ، ثم أخذ أسيرا لما عرفوه ، ودخل  الصفار  إلى شيراز  ، وطاف بالمدينة ، ونادى بالأمان فاطمأن الناس ، وعذب  عليا  بأنواع العذاب ، وأخذ من أمواله ألف بدرة ، ( وقيل : أربع مائة بدرة ) ومن السلاح والأفراس ، وغير ذلك ما لا يحد ، وكتب إلى الخليفة بطاعته ، وأهدى له هدية جليلة ، منها عشرة بيزان بيض ، وباز أبلق صيني ، ومائة من مسكا وغيرها من الطرائف ، وعاد إلى سجستان  ومعه  علي  ،  وطوق  ، تحت الاستظهار ، فلما فارق بلاد فارس  أرسل الخليفة عماله إليها . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					