ذكر إحراق قصر صاحب الزنج   
لما صح  الموفق  من جراحه عاد إلى ما كان عليه من محاربة  العلوي  ، وكان قد أعاد [ بناء ] بعض الثلم في السور ، فأمر  الموفق  بهدم ذلك ، وهدم ما يتصل به . 
وركب في بعض العشايا ، وكان القتال ، ذلك اليوم متصلا مما يلي نهر منكي  ، والزنج  مجتمعون فيه قد شغلوا بتلك الجهة ، وظنوا أنهم لا يؤتون إلا منها ، فأتى  الموفق  ومعه الفعلة ، وقرب من نهر منكي  ، وقاتلهم ، فلما اشتدت الحرب أمر الذين بالشذوات بالمسير إلى أسفل نهر أبي الخصيب  ، وهو فارغ من المقاتلة ( والرجالة ، فقدم أصحاب  الموفق  ، وأخرجوا الفعلة ، فهدموا السور من تلك الناحية ، وصعد المقاتلة ) ، فقتلوا في النهر مقتلة عظيمة ، وانتهوا إلى قصور من قصور الزنج  فأحرقوها ، وانتهبوا ما فيها ، واستنقذوا عددا كثيرا من النساء اللواتي كن فيها ، وغنموا منها . 
وانصرف  الموفق  ، عند غروب الشمس ، بالظفر والسلامة ، وبكر إلى حربهم ، وهدم السور ، فأسرع الهدم حتى اتصل بدار  الكلابي  وهي متصلة بدار  الخبيث  ، فلما أعيت  الخبيث  الحيل أشار عليه  علي بن أبان  بإجراء الماء على السباخ ، وأن يحفر خنادق في   [ ص: 404 ] مواضع عدة تمنعهم عن دخول المدينة ، ففعل ذلك ، فرأى  الموفق  أن يجعل قصده لطم الخنادق ، والأنهار ، والمواضع المغورة ، فدام ذلك ، فحامى عنه الخبثاء ، ودامت الحرب ، ووصل إلى الفريقين من القتلى ، والجراح أمر عظيم وذلك لتقارب ما بين الفريقين . 
فلما رأى شدة الأمر من هذه الناحية قصد لإحراق دار  الخبيث  ، والهجوم عليها من دجلة  ، فكان يعوق عن ذلك كثرة ما أعد  الخبيث  لها من المقاتلة ، والحماة عن داره ، فكانت الشذا إذا قربت من قصره رميت من فوق القصر بالسهام ، والحجارة من المنجنيق والمقلاع ، وأذيب الرصاص ، وأفرغ عليهم ، فتعذر إحراقها لذلك ، فأمر  الموفق  أن تسقف الشذا بالأخشاب ، ويعمل عليها الجبس ويطلى بالأدوية التي تمنع النار من إحراقها ، ففرغ منها ، ورتب فيها أنجاد أصحابه ، ومن النفاطين جمعا كثيرا . 
واستأمن إلى  الموفق  محمد بن سمعان  كاتب  الخبيث  ، وكان أوثق أصحابه في نفسه ، وكان سبب استئمانه أن  الخبيث  أطلعه على أنه عازم على الخلاص وحده بغير أهل ولا مال ، فلما رأى ذلك من عزمه أرسل يطلب الأمان ، فأمنه  الموفق  وأحسن إليه ، وقيل : كان سبب خروجه أنه كان كارها لصحبة  الخبيث  ، مطلعا على كفره وسوء باطنه ، ولم يمكنه التخلص منه إلى الآن ففارقه ، وكان خروجه عاشر شعبان . 
فلما كان الغد بكر  الموفق  إلى محاربة الخبثاء ، فأمر  أبا العباس  بقصد دار  محمد الكرنابي  ، وهي بإزاء دار  الخبيث  ، وإحراقها ، وما يليها من منازل قواد الزنج  ، ليشغلهم بذلك عن حماية دار  الخبيث  ، وأمر المرتبين في الشذا المطلية بقصد دار  الخبيث  ، وإحراقها ، ففعلوا ذلك ، وألصقوا شذواتهم بسور قصره ، وحاربهم الفجرة أشد حرب ، ونضحوهم بالنيران ، فلم تعمل شيئا ، وأحرق من القصر الرواشين ، والأبنية الخارجة ، وعملت النار فيها ، وسلم الذين كانوا في الشذا مما كان الخبثاء يرسلونه عليهم بالظلال التي كانت في الشذا ، وكان ذلك سببا لتمكينهم من قصره . 
وأمر  الموفق  الذين في الشذا بالرجوع ، فرجعوا ، فأخرج من كان فيها ورتب   [ ص: 405 ] غيرهم ، وانتظر إقبال المد ، وعلوه ، فلما أقبل عادت الشذا إلى قصره ، وأحرقوا بيوتا منه كانت تشرع على دجلة  ، وأضرمت النار فيها ، واتصلت ، وقويت ، فأعجلت  الخبيث  ومن كان معه عن التوقف على شيء مما كان له من الأموال ، والذخائر ، وغير ذلك ، فخرج هاربا وتركه كله . 
وعلا غلمان  الموفق  قصره مع أصحابهم ، فانتهبوا ما لم تأت النار عليه من الذهب ، والفضة ، والحلي ، وغير ذلك ، واستنقذوا جماعة من النساء اللواتي كان  الخبيث  يأنس بهن ممن كان استرقهن ، ودخلوا دوره ( ودور ابنه أنكلاي ) ، فأحرقوها جميعا ، وفرح الناس بذلك ، وتحاربوا هم وأصحاب  الخبيث  على باب قصره ، فكثر القتل في أصحابه ، والجراح ، والأسر ، وفعل  أبو العباس  في دار  الكرنابي  من النهب والهدم ، والإحراق مثل ذلك ، وقطع  أبو العباس  يومئذ سلسلة عظيمة كان  الخبيث  قطع بها نهر أبي الخصيب  ليمنع الشذا من دخوله ، فحازها  أبو العباس  ، وأخذها معه . 
وعاد  الموفق  بالناس مع المغرب مظفرا ، وأصيب الفاسق في ماله ، ونفسه ، ( وولده ، ومن ) كان عنده من نساء المسلمين ، مثل الذي أصاب المسلمين منه من الذعر ، والجلاء ، وتشتت الشمل ، والمصيبة ، وجرح ابنه أنكلاي في بطنه جراحة أشفى منها على الهلاك . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					