[ ص: 448 ] ذكر ابن كنداج ، وابن أبي الساج الحرب بين
لما انهزم كنداج من ابن أبي الساج ، كما ذكرناه أقام إلى أن انهزم ابن أبي الساج من خمارويه ، فلما وافى خمارويه بلد أقام بها ، وسير مع إسحاق بن كنداج جيشا كثيرا ، وجماعة من القواد ، ورحل يطلب ابن أبي الساج ، فمضى بين يديه وابن كنداج يتبعه إلى تكريت ، فعبر ابن أبي الساج دجلة ، وأقام ابن كنداج ، وجمع السفن ليعمل جسرا يعبر عليه ، وكان يجري بين الطائفتين مراماة .
وكان ابن أبي الساج في نحو ألفي فارس ، وابن كنداج في عشرين ألفا ، فلما رأى أبو الساج اجتماع السفن سار عن تكريت إلى الموصل ليلا ، فوصل إليها في اليوم الرابع ، فنزل بظاهرها عند الدير الأعلى ، وسار ابن كنداج يتبعه ، فوصل إلى العزيق ، فلما سمع ابن أبي الساج خبره سار إليه ، فالتقوا ، واقتتلوا عند قصر حرب ، فاشتد القتال بينهم ، وصبر محمد بن أبي الساج صبرا عظيما ، لأنه في قلة ، فنصره الله ، وانهزم ابن كنداج ، وجميع عسكره ، ومضى منهزما .
وكان أعظم الأسباب في هزيمته بغيه ، فإنه لما قيل له : إن ابن أبي الساج قد أقبل نحوك من الموصل ليقاتلك ، قال : أستقبل الكلب ! فعد الناس هذا بغيا وخافوا منه ، فلما انهزم ، وسار إلى الرقة ، تبعه محمد إليها ، وكتب إلى يعرفه ما كان منه ، ويستأذنه في عبور أبي أحمد الموفق الفرات إلى الشام بلاد خمارويه ، فكتب إليه الموفق يشكره ، ويأمره بالتوقف إلى أن تصله الأمداد من عنده .
وأما ابن كنداج فإنه سار إلى خمارويه ، فسير معه جيشا ، فوصلوا إلى الفرات ، فكان إسحاق بن كنداج على الشام ، وابن أبي الساج بالرقة ، ووكل بالفرات من يمنع من عبورها ، فبقوا كذلك مدة .
ثم إن ابن كنداج سير طائفة من عسكره ، فعبروا الفرات في غير ذلك الموضع ، وساروا ، فلم تشعر طائفة عسكر ابن أبي الساج ، وكانوا طليعة ، إلا وقد أوقعوا بهم ، فانهزموا من عسكر إسحاق إلى الرقة ، فلما رأى ابن أبي الساج ذلك سار عن الرقة إلى [ ص: 449 ] الموصل ، فلما وصل إليها طلب من أهلها المساعدة بالمال ، وقال لهم : ليس بالمضطر مروءة ; فأقام بها نحو شهر ، وانحدر إلى بغداذ ، فاتصل بأبي أحمد الموفق في ربيع الأول من سنة ست وسبعين ومائتين ، فاستصحبه معه إلى الجبل ، وخلع عليه ، ووصله بمال ، وأقامابن كنداج بديار ربيعة ، وديار مضر من أرض الجزيرة .