في هذه السنة اجتمعت الخوارج ، ومقدمهم هارون ، ومعهم متطوعة أهل الموصل ، وغيرهم ، وحمدان بن حمدون التغلبي ، على قتال بني شيبان .
وسبب ذلك أن جمعا كثيرا من بني شيبان عبروا الزاب ، وقصدوا نينوى من أعمال الموصل ، للإغارة عليها وعلى البلد ، فاجتمع هارون الشاري ، وحمدان بن حمدون ، وكثير من المتطوعة المواصلة ، وأعيان أهلها ، على قتالهم ودفعهم .
وكان بنو شيبان نزلوا على باعشيقا ، ومعهم هارون بن سليمان مولى أحمد بن عيسى بن الشيخ الشيباني صاحب ديار بكر ، وكان قد أنفذه محمد بن إسحاق بن كنداج واليا على الموصل ، فلم يمكنه أهلها من المقام عندهم ، فطردوه ، فقصد بني شيبان ( معاونا على الخوارج ، وأهل الموصل ) ، فالتقوا ، وتصافوا ، واقتتلوا ، فانهزمت بنو شيبان ، وتبعهم حمدان ، والخوارج ، وملكوا بيوتهم ، واشتغلوا بالنهب .
وكان الزاب ( لما عبره بنو شيبان [ زائدا ] ، فلما انهزموا ) علموا أن لا ملجأ ولا [ ص: 469 ] منجى غير الصبر ، فعادوا إلى القتال ، والناس مشغولون بالنهب ، فأوقعوا بهم ، وقتل كثير من أهل الموصل ومن معهم ، وعاد الظفر للأعراب .
وكتب هارون بن سيما إلى محمد بن إسحاق كنداج يعرفه أن البلد خارج عن يده إن لم يحضر هو بنفسه ، فسار في جيش كثيف يريد الموصل ، فخافه أهلها ، فانحدر بعضهم إلى بغداذ يطلبون إرسال وال إليهم ، وإزالة ابن كنداج عنهم ، فاجتازوا في طريقهم بالحديثة ، وبها محمد بن يحيى المجروح يحفظ الطريق ، قد ولاه المعتضد ذلك ، وقد وصل إليه عهد بولايته الموصل ، فحثوه على تعجيل السير ، وأن يسبق محمد بن كنداج إليها ، وخوفوه من ابن كنداج إذا دخل الموصل قبله ، فسار ، فسبق محمد إليها ، ووصل محمد بن كنداج إلى بلد ، فبلغه دخول المجروح الموصل ، ( فندم على التباطؤ وكتب إلى يخبره الخبر ، فأرسل خمارويه بن طولون أبا عبد الله بن الجصاص بهدايا كثيرة إلى المعتضد ، ويطلب أمورا ، منها إمرة الموصل كما كانت له قبل ، فلم يجب إلى ذلك ، وأخبره كراهة أهل الموصل من عماله ، ( فأعرض عن ذكرها ) .
وبقي المجروح بالموصل يسيرا ، وعزله المعتضد ، واستعمل بعده علي بن داود بن رهزاد الكردي ، فقال شاعر يقال له العجيني :
ما رأى الناس لهذا ال دهر مذ كانوا شبيها ذلت الموصل حتى
أمر الأكراد فيها
( العجيني بالنون ) .