ذكر وفاة آدم  عليه السلام  
ذكر أن آدم  مرض أحد عشر يوما ، وأوصى إلى ابنه شيث  وأمره أن يخفي علمه عن  قابيل  ، وولده لأنه قتل  هابيل  حسدا منه له حين خصه آدم  بالعلم ، فأخفى شيث  وولده ما عندهم من العلم ، ولم يكن عند  قابيل  وولده علم ينتفعون به . 
وقد روى   أبو هريرة  ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : قال الله تعالى لآدم  حين خلقه : ائت أولئك النفر من الملائكة قل السلام عليكم ، فأتاهم فسلم عليهم ، وقالوا له : عليك السلام ورحمة الله ، ثم رجع إلى ربه ، فقال له : هذه تحيتك وتحية ذريتك بينهم . ثم قبض له يديه ، فقال له خذ واختر . فقال : أحببت يمين ربي وكلتا يديه يمين ، ففتحها له فإذا فيها صورة آدم  وذريته كلهم ، وإذا كل رجل منهم مكتوب عنده أجله ، وإذا آدم  قد كتب له عمر ألف سنة ، وإذا قوم عليهم النور ، فقال : يا رب ، من هؤلاء الذين عليهم النور ؟ فقال : هؤلاء الأنبياء والرسل الذين أرسلهم إلى عبادي ، وإذا فيهم رجل هو من أضوئهم نورا ولم يكتب له من العمر إلا أربعون سنة . فقال آدم    : يا رب ، هذا من أضوئهم ولم تكتب له إلا أربعين سنة ، بعد أن أعلمه أنه داود    - عليه السلام - فقال : ذلك ما كتبت له . فقال : يا رب ، انقص له من عمري ستين سنة . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " فلما أهبط إلى   [ ص: 47 ] الأرض كان يعد أيامه ، فلما أتاه ملك الموت  لقبضه قال له آدم    : عجلت يا ملك الموت    ! قد بقي من عمري ستون سنة . فقال له ملك الموت    : ما بقي شيء ، سألت ربك أن يكتبه لابنك داود    . فقال : ما فعلت ! " فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : فنسي آدم  فنسيت ذريته ، وجحد فجحدت ذريته فحينئذ وضع الله الكتاب وأمر بالشهود   " . 
وروي عن   ابن عباس  قال : لما نزلت آية الدين قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن أول من جحد آدم  ثلاث مرار ، وإن الله لما خلقه مسح ظهره فأخرج منه ما هو ذار إلى يوم القيامة فجعل يعرضهم على آدم  ، فرأى منهم رجلا يزهر ، قال : أي رب ، أي بني هذا ؟ قال : ابنك داود    . قال : كم عمره ؟ قال : ستون سنة . قال : زده من العمر . قال الله تعالى : لا ، إلا أن تزيده أنت . وكان عمر آدم  ألف سنة ، فوهب له أربعين سنة ، فكتب عليه بذلك كتابا وأشهد عليه الملائكة ، فلما احتضر آدم  أتته الملائكة لتقبض روحه ، فقال : قد بقي من عمري أربعون سنة . قالوا : إنك قد وهبتها لابنك داود    . قال : ما فعلت ، ولا وهبت له شيئا . فأنزل الله عليه الكتاب ، وأقام الملائكة شهودا . فأكمل لآدم  ألف سنة ، وأكمل لداود  مائة سنة   " . 
وروي مثل هذا عن جماعة ، منهم   سعيد بن جبير  ، وقال   ابن عباس     : كان عمر آدم  تسعمائة سنة وستا وثلاثين سنة ، وأهل التوراة يزعمون أن عمر آدم  تسعمائة سنة وثلاثون سنة ، والأخبار عن رسول الله والعلماء ما ذكرنا ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلم الخلق . 
وعلى رواية   أبي هريرة  التي فيها أن آدم  وهب داود  من عمره ستين سنة لم يكن كثير اختلاف بين الحديثين ، وما في التوراة من أن عمره كان تسعمائة وثلاثين سنة ، فلعل الله ذكر عمره في التوراة سوى ما وهبه لداود    . 
قال   ابن إسحاق  ، عن  يحيى بن عباد  ، عن أبيه قال : بلغني أن آدم  حين مات بعث   [ ص: 48 ] الله بكفنه وحنوطه من الجنة ، ثم وليت الملائكة قبره ودفنه حتى غيبوه   . 
وروى   أبي بن كعب  ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن آدم  حين حضرته الوفاة بعث الله إليه بحنوطه ، وكفنه من الجنة ، فلما رأت حواء  الملائكة ذهبت لتدخل دونهم ، فقال : خلي عني ، وعن رسل ربي ، فما لقيت ما لقيت إلا منك ، ولا أصابني ما أصابني إلا فيك . فلما قبض غسلوه بالسدر والماء وترا ، وكفنوه في وتر من الثياب ، ثم لحدوا له ودفنوه ، ثم قالوا : هذه سنة ولد آدم  من بعده   . 
قال   ابن عباس     : لما مات آدم  قال شيث  لجبرائيل    : صل عليه . فقال : تقدم أنت فصل على أبيك . فكبر عليه ثلاثين تكبيرة ، فأما خمس فهي الصلاة ، وأما خمس وعشرون فتفضيلا لآدم    . 
وقيل : دفن في غار في جبل أبي قبيس  يقال له غار الكنز    . وقال   ابن عباس     : لما خرج نوح  من السفينة دفن آدم  ببيت المقدس   . 
وكانت وفاته يوم الجمعة ، كما تقدم ، وذكر أن حواء  عاشت بعده سنة ، ثم ماتت فدفنت مع زوجها في الغار الذي ذكرت إلى وقت الطوفان ، واستخرجهما نوح  ، وجعلهما في تابوت ، ثم حملهما معه في السفينة ، فلما غاضت الأرض الماء ردهما إلى مكانهما الذي كانا فيه قبل الطوفان ، قال : وكانت حواء  فيما ذكر قد غزلت ، ونسجت ، وعجنت ، وخبزت ، وعملت أعمال النساء كلها . 
وإذ قد فرغنا من ذكر آدم  وعدوه إبليس ، وذكر أخبارهما ، وما صنع الله بعدوه إبليس حين تجبر ، وتكبر من تعجيل العقوبة ، وطغى وبغى ، من الطرد ، والإبعاد ، والنظرة إلى يوم   [ ص: 49 ] الدين ، وما صنع بآدم  إذ أخطأ ونسي من تعجيل العقوبة له ، ثم تغمده إياه بالرحمة إذ تاب من زلته - فأرجع إلى ذكر  قابيل  وشيث   ابني آدم  وأولادهما ، إن شاء الله . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					